القوات الأميركية تنتشر في الأنبار: الإمساك بعقدة الربط الدولية
القوات الأميركية تنتشر في الأنبار: الإمساك بعقدة الربط الدولية
العربي الجديد - يلاقي التواجد العسكري الأميركي في محافظة الأنبار، البالغة ثلث مساحة العراق الإجمالية، والحدودية مع السعودية والأردن وسورية، ترحيباً من عشائرها والقوى السياسية فيها على حد سواء. وهذا الترحيب يكاد يكون انقلاباً واضحاً في مواقف تلك القوى، التي تصنف على أنها أول من دعا إلى إطلاق شرارة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأميركي عقب اجتياح الولايات المتحدة العراق وإسقاط نظام الحكم فيه في العام 2003. ويعود سبب هذا الترحيب، وفقا لمسؤولين وزعماء قبائل التقت بهم "العربي الجديد"، إلى أن البديل عنها سيكون إيران، ممثلة بـ"الحرس الثوري"، أو مليشيات "الحشد الشعبي" الموالية لها. كما أنها، وفقاً لمسؤولين في الحكومة المحلية في المحافظة، ستساعد في إعادة اعمار وتأهيل مدن المحافظة وجلب المنظمات الدولية والإقليمية على حد سواء.
وتؤكد مصادر عسكرية عراقية في محافظة الأنبار، التي تضم عدداً من المدن الهامة مثل الفلوجة والرمادي وهيت والرطبة والقائم والنخيب، تزايد النشاط العسكري الأميركي أخيراً في مناطق عدة من المحافظة، التي تمتلك حدوداً داخلية مع العاصمة بغداد ومع محافظات كربلاء وبابل وصلاح الدين ونينوى والنجف، ودولية مع الأردن والسعودية وسورية. كما أنها تمتلك مفاتيح الربط الدولية بين بغداد وعواصم تلك الدول من خلال الطريق الدولي السريع، الذي يبلغ طوله نحو 600 كيلومتر، ويتفرع إلى الدول الثلاث.
وقال مسؤول عسكري عراقي رفيع المستوى في قيادة عمليات الأنبار، لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش الأميركي زاد من تواجد قواته لنحو أربعة آلاف جندي وعسكري ومستشار، يتوزعون على قاعدتي عين الأسد (120 كيلومتراً غرب الرمادي قرب الحدود العراقية الأردنية) وقاعدة الحبانية (25 كيلومتراً غربي الفلوجة"، مبيناً أن الجيش الأميركي باشر منذ السبت الماضي "عمليات تمشيط للطريق الدولي، كما تغطي مروحياته سماء مناطق عدة من المحافظة، فضلاً عن طائرات المراقبة، ومقاتلاته التي تنطلق من قاعدة أنجرليك التركية". ويضيف أن "القوات الأميركية استأنفت عملية تدريب وتأهيل الشرطة المحلية وقوى الأمن الداخلي الأخرى، فضلاً عن أبناء العشائر، في معسكرين بالمحافظة، وأجرت عدة لقاءات مع زعماء العشائر المناهضين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ونفذت عمليات استطلاع عن بعد لمواقع في صحراء الأنبار". وأشار إلى أن "النشاط الأميركي العسكري في المحافظة في ازدياد مستمر، كما أن المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية تزور المحافظة بحمايتها، إذ توفر لهم وحدات خاصة تضمن لتلك البعثات التنقل بشكل آمن في المحافظة".
وأشارت مصادر أخرى إلى قرب إكمال شركات آسيوية وتركية عقود ترميم قاعدة عين الأسد والحبانية، بما فيها مدرج هبوط الطائرات ومساكن الجنود، وهو ما يعني أن تواجدهم في المحافظة غير مؤقت، لافتاً إلى أن مؤن وحاجات الجنود تأتي، في العادة، جواً من الأردن.
في هذه الأثناء، يشعر مسؤولون محليون وزعماء قبائل بالارتياح للتواجد الأميركي الحالي في محافظتهم، مبررين ذلك بأنه الحل المر، كون البديل هو إيران. ويقول الزعيم القبلي البارز في الأنبار وأحد المناهضين لتنظيم "داعش"، الشيخ جاسم الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش الأميركي لن يقتلنا أو يهجرنا على أساس طائفي، كما تفعل إيران وقواتها في العراق". ويضيف "نعم نحن الذين رفضنا الاحتلال، وباركنا شرارة المقاومة ضد الجيش الأميركي، لكن الآن اختلف الحال. هناك احتلال أبشع بكثير، وهو الإيراني، لذلك اخترنا الأقل سوءا"، متهما "داعش" بأنه "الغطاء الذي ابتلعت إيران وأذرعها بسببه ما تبقى من مناطق خارج سلطتها بعد 2014". وتعليقاً على التواجد الأميركي، يقول الدليمي "نرحب بهم، ونأمل أن يصلحوا أخطاءهم السابقة، ونشاطهم حالياً هو الدعم والإسناد للمحافظة. لو وجدنا دولة عربية واحدة تقدم الدعم لما رحبنا بالأميركيين، لكن (رئيس الحكومة حيدر) العبادي تركنا، و(قائد فيلق القدس في الحرس الثوري) قاسم سليماني يتجول ويلتقط الصور في مدننا وداخل رموزنا الدينية، لذا نعم نحن نرحب بأي كان يضع حداً لإيران". ويتابع الدليمي، الذي يملك نحو 500 مقاتل من أبناء عشيرته التي تنتشر في مناطق شمال وشمال غرب الرمادي، إن "الأميركيين يقدمون المساعدة لنا، وهذا أهم شيء، ونأمل أن يستمر ذلك".
وكانت تقارير محلية عراقية نقلت، مطلع الأسبوع الحالي، عن مسؤولين سياسيين وأمنيين معلومات تؤكد الانتشار الأميركي في الأنبار، خصوصاً الطريق الدولي السريع. ووفقاً للتقارير فإن "قوات أميركية، مدعومة بطائرات مسيرة، انتشرت في نقاط ومناطق مختلفة على الطريق الدولي السريع في الأنبار، وقامت بتمشيط وتفتيش المناطق المحيطة بالجسور والمعابر التي دمرها داعش على طول الطريق الدولي، الذي يربط العراق بسورية والأردن والسعودية لضمان إعادة تأهيله، واستئناف دخول البضائع عبر الحدود مع الأردن، فضلاً عن تصدير النفط العراقي الخام، الذي توقف قبل نحو ثلاث سنوات، بفعل سيطرة التنظيم على المحافظة".
وتتقاسم كتلتان رئيسيتان السيطرة على الحكومة المحلية في الأنبار، الأولى ذات امتداد قبلي محلي، والثانية إسلامية، تمثل "الحزب الإسلامي العراقي" (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في العراق).
من جانبه، يؤكد الشيخ سعد الشمري، أحد زعماء القبائل في الأنبار لـ"العربي الجديد"، أن التواجد الأميركي سيشهد تطوراً جديداً خلال الأسابيع المقبلة، إذ يخطط وفد قبلي وسياسي من الأنبار للتوجه إلى واشنطن للقاء مسؤولين أميركيين في الإدارة الجديدة، واطلاعهم على الوضع العام، فهم، بحسب الشمري، يتلقون تقارير كاذبة من العبادي ووزير الخارجية، إبراهيم الجعفري. وبين أن "غالبية محافظات العراق الآن تتمنى ألف جندي أميركي ولا إيرانيا واحدا. الإيرانيون يملكون مشروع نزع هوية العراقيين أو طردهم من مدنهم". وتحدث مسؤول رفيع المستوى في حكومة الأنبار المحلية عبر الهاتف، لـ"العربي الجديد"، معلقاً على التواجد الأميركي المتزايد في المحافظة بالقول إنه "تواجد له غطاء من بغداد وبعلم منها بسبب وضع المحافظة الخاص، اجتماعياً وجغرافياً". وأضاف أن "القوات الأميركية في المحافظة تعمل بكل تأكيد في مجال الأمن، والحرب على داعش بشكل مباشر وغير مباشر من خلال دعمها للقوات العراقية المحلية في المحافظة"، لافتاً إلى أن "حكومة الأنبار تسعى لزيادة الدور الأميركي في المحافظة بشكل عام، لأسباب أمنية وسياسية واقتصادية أيضاً".