عراقيل محلية وإقليمية أمام تفعيل التعاون الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن
عراقيل محلية وإقليمية أمام تفعيل التعاون الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن
وكالة الاناضول : تسعى وزارة الخارجية العراقية، إلى تفعيل "اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الجانب الأمريكي" الموقعة عام 2008، والهادفة إلى التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى الثقافية والصحية. لكن مساعي تطبيق الاتفاقية، التي يرى نائب عراقي أنها "ستحقق مصلحة بغداد قبل واشنطن"، تصطدم باعتراض "مسؤولين وقوى سياسية عراقية" موالية لطهران، فضلا عن بعض دول الجوار العراقي والإقليمي، ولا سيما إيران، بحسب متحدث حكومي، ووزير أسبق، وأكاديمي متخصص في الأمن الوطني. اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وبحسب المتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد جمال، "مهمة وفيها فائدة كبيرة للواقع العراقي السياسي والحكومي والتنفيذي؛ لذلك بادرنا بتشكيل لجنة لتفعيلها، برئاسة وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، وبعضوية وكلاء الوزارات المعنية ببنود الاتفاقية (الدفاع، والداخلية، والتجارة، والتخطيط، والنفط، والزراعة، والثقافة، والصحة، والمالية)، إضافة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ومكتب رئيس الوزراء، حيدر العبادي". جمال تابع، في تصريحات صحفية مؤخرا، أن "اللجنة عقدت اجتماعا، واتفقت على أن تقدم إلى الجانب الأمريكي عددا من مسودات الاتفاقيات الضمنية المعنية بكل قطاع، وهذا هو الجانب العملي الذي تم لغاية الآن"، مشيرا إلى وجود "لجنة عليا للاتفاقية، يرأسها رئيس الوزراء العراقي، ونائب الرئيس الأمريكي".
3 اتفاقيات
إجمالا، لبغداد ثلاث اتفاقيات مع واشنطن، أولها إعلان مبادئ الصداقة، الذي تم في 26 نوفمبر/ تشرين ثان 2007، وعلى أساسه جرى تأطير عملية التمثيل الدبلوماسي بين البلدين. وفي 27 نوفمبر/ تشرين ثان 2008، تم توقيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي، التي تأسس للتعاون بين البلدين، إضافة إلى الاتفاقية الثالثة، وهي اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية من العراق، والتي نصت على انسحاب جميع القوات في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر/كانون لأول 2011. وبالفعل، انسحبت أغلب القوات الأمريكية مع نهاية 2011، لكن واشنطن واصلت إرسال جنود ومستشارين عسكريين يبلغ عددهم حاليا خمسة آلاف. ورغم أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وفق المتحدث باسم الخارجية العراقية، تتضمن في الديباجة التعاون في المجال الأمني، لكن لم يوقع بموجبها أي اتفاقيات أمنية؛ لذا لا يزال التعاون الأمني بين البلدين ينطلق من مبادئ الفقرات العامة في اتفاقيتي الإطار الاستراتيجي والانسحاب. "جمال" مضى قائلا، إن "علاقة العراق العسكرية بالولايات المتحدة الأمريكية لا تزال مبنية على أساس العلاقة في التحالف الدولي ضد الإرهاب، وليس على أساس اتفاقية الإطار الاستراتيجي". وهو ما أرجعه في انتقاد ضمني إلى "عدم وضع وزارة الدفاع العراقية لغاية الآن خطوط عامة لإيجاد اتفاقية ضمنية تؤسس لعلاقة تمتد بين وزارتي دفاع البلدين"، معربا عن اعتقاده بأن "تركز حكومة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب (يتولى السلطة في 20 يناير/ كانون ثان الجاري)، كثيرا على العراق، وتعتبره مجالا مهما لوجود الولايات المتحدة في المنطقة".
الاتفاقية.. حاجة ملحة
عن اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" قال عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب ، "مثال الألوسي"، إن "بعض بنودها جيدة، خاصة فيما يتعلق بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية للعراق عند تعرضه لخطر الإرهاب". وتابع "الألوسي" موضحاً في تصريح للأناضول، أن "المادة 31 من الاتفاقية تتضمن فقرتين مهمتين، وتعطي الصلاحية للدولتين لتمديد الاتفاقية ثلاث سنوات أو تطويرها، فيما يخص المادة 26 المتعلقة بإنهاء الإجراءات الخاصة بخروج العراق من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة الخاص بالعقوبات، وهي التي أنهت القرار الدولي رقم 1790 المتعلق بتمديد بقاء القوات المتعددة الجنسيات في العراق، حيث أصبح مؤهلا لإدارة ملفه الأمني، وأعادت العراق إلى محيطه الإقليمي والدولي". وداعيا إلى سرعة تفعيل الاتفاقية، قال النائب، إن "وضع العراق الراهن بحاجة إلى الدعم الدولي (..) واشنطن تقود تحالف دولي لمحاربة الإرهاب في العراق، وتفعيل الاتفاقية يمثل حاجة ملحة ستحقق مصلحة بغداد قبل واشنطن".
قوى داخلية وإقليمية
وزير العدل العراقي الأسبق، وائل عبد اللطيف، قال إن "اتفاقية الإطار الاستراتيجي أتاحت من جديد للدولة العراقية الناشئة أن تصبح النموذج الديمقراطي في الشرق الأوسط، لكن عمالة القوى السياسية العراقية لعبت بمقدرات البلد، كما أن بعض دول الجوار العراقي والإقليمي لا تتمنى تفعيل الاتفاقية، لكي لا يكون العراق الدولة النموذج للتطور التكنولوجي والاقتصادي والزراعي والصناعي والتجاري والتربوي».
ومشيرا بأصابع الاتهام إلى طهران، التي تهيمن الخلافات على علاقاتها مع واشنطن، تابع عبد اللطيف، في حديث للأناضول،أن "العراق مبتلى من إيران؛ فهي تتدخل في الشأن العراقي الداخلي، وموقفها سلبي تجاه بقية الدول الإقليمية، ولا سيما الدول السنية الرافضة للتدخل الإيراني (..) قوى عراقية شيعية ترفض التدخل الإيراني، لكن في الخفاء، وللأسف هذه الدولة (إيران) ابتلعت ما أنجزته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق". ومستنكرا الوضع الراهن، تساءل وزير العدل الأسبق، "لماذا يقال دائما إن الولايات المتحدة الأمريكية أسقطت نظام (الرئيس العراقي) صدام حسين (عام 2003)، وسلمت العراق على طبق من ذهب إلى إيران". عبد اللطيف شدد على أن "الدولة العراقية، ومنذ 2003، تركز في علاقتها كثيرا على إيران (..) بينما بعض الدول الإقليمية لا تريد أن يكون للعراق دولة ولا شعب مستقل القرار، بل أن يكون خاضعا لإرادة إقليمية، خاصة إيران".
إيران والسعودية والأردن
وفق حسين علاوي، أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين ببغداد، فإن «القوى الإقليمية التي دفعت العراق في اتجاه معين، حصلت على اتفاقيات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. فإيران وقعت اتفاقية (5+1)، وحلت مشكلة برنامجها النووي، والسعودية لديها برنامج (للتنمية) الآن (2030) وتعمل مع واشنطن في هذا الموضوع، وكذلك الأردن في هذا الاتجاه». علاوي تابع، في حديث للأناضول، أن «العراق فقد العديد من الفرص، لكن لا يزال يوجد أمل تعمل على تحقيقه وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء (..) الاتصال الذي حدث بين (رئيس الوزراء العراقي حيدر) العبادي وترامب، أتوقع أن يكون إيجابيا ومفيدا للعراق وأن يتم بناء رؤية لتحالف استراتيجي بين بغداد وواشنطن». وعن العراقيل أمام تفعيل اتفاقية التعاون الاستراتيجي، قال الأكاديمي العراقي إن «مؤسسات إعلامية عراقية ألفت على مدى 13 عاما على معارضة الولايات المتحدة الأمريكية (بسبب غزوها العراق عام 2003)، بينما ألمانيا واليابان (دخلتا في حرب مع الولايات المتحدة خلال العالمية الثانية) بات لديهما تجارب ناجحة وعلاقات متميزة مع واشنطن». علاوي ختم بأن «جميع دول العالم تتجه نحو التحالف، بينما العراق ليس لديه أولوية في هذا المجال؛ بسبب الجدل السياسي داخل البرلمان (..) كلما تتقدم الحكومة العراقية في هذا الاتجاه يقف أمامها الخطاب السياسي» المناهض لواشنطن.