قانون “الحشد”: جيش طائفي رديف في العراق
قانون “الحشد”: جيش طائفي رديف في العراق
العربي الجديد - تجاهل البرلمان العراقي، أمس السبت، مخاوف طيف واسع من المواطنين العراقيين، من خلال استجابته لإرادة الأغلبية البرلمانية وإقراره "قانون الحشد"، الذي يعطي غطاءً قانونياً لمليشيات "الحشد الشعبي" الطائفية، ويكرسها كجيش طائفي رديف يشكك كثيرون باقتصار ولائه على الداخل العراقي. ويفتح إقرار القانون الباب أمام أزمات سياسية كبيرة قد تواجه البلاد، إذ إنّه ضرب التفاهمات السياسية السابقة، وأجهض محاولات التوافق بشأن التسوية السياسية. وتنبع حساسية القانون من أنه يجعل من المليشيات الطائفية الحليفة لإيران، بمثابة جيش موازٍ، يخضع لرئيس الحكومة مباشرة، ويعطيها صفة "الكيانات القانونية التي تتمتع بالحقوق، وتلتزم بالواجبات، باعتبارها قوة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية، ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها". وسبب الخشية من "الحشد الشعبي" هو أنها ذات صبغة محصورة بالطائفية، وتحديداً بالفصائل التابعة لإيران، وبسبب التجاوزات والجرائم العديدة التي تتهم بها هذه المليشيات، فضلاً عن أنه ينظر إليها، من طيف واسع من العراقيين، على أنها مليشيات تابعة لدولة أجنبية فعلياً، منذ كشف مسؤولون رفيعو المستوى في السلطة الإيرانية، أنهم ينوون تحويل تجربة الحشد الشعبي في العراق إلى نسخة محلية من الحرس الثوري الإيراني.
وينص "قانون الحشد" على اعتبار إعطاء المليشيات حق ممارسة أنشطتها العسكرية والأمنية بطلب وتوجيه من القائد العام للقوات المسلّحة. كما يخولها القانون حق استخدام القوة اللازمة لردع التهديدات الأمنية والإرهابية، وتحرير المدن من الجماعات الإرهابية ومن يتعاون معها. كما يمنحها التزاماً كاملاً من الحكومة والبرلمان بتوفير احتياجات فصائل "الحشد" للقيام بمهامها وأن تكون جاهزة لمواجهة أية تهديدات، ويتمتع عناصر "الحشد" وقتلاهم بنفس رواتب وحقوق وامتيازات وتقاعد منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية. كما "تحتسب لأغراض الخدمة الوظيفية والترفيع والتقاعد الفترة الزمنية الجهادية التي يقضيها أفراد فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي في مواجهة التهديدات الإرهابية حال تعيينهم في وظيفة أخرى ضمن الملاك الرسمي للدولة" بحسب البند السابع من نص القانون.
وقال مصدر برلماني لـ"العربي الجديد"، إنّ "البرلمان العراقي شهد اليوم (أمس) اضطراباً كبيراً، بعدما أدرج على جدول أعماله التصويت على قانون الحشد الشعبي". وبين أنّ "الكتل السنيّة اتفقت على رفضه رفضاً قاطعاً، كما أنّ الكتل الكردية التي أخفت صوتها بدت شبه مجمعة على رفضه، ما أشعل حدّة الخلاف بينها وبين كتل التحالف الوطني التي أصرّت على تمريره وتجاوز كل الكتل الأخرى". وأضاف، أنّ "الأزمة تفاقمت بشكل خطير ومتسارع، وأنّ رئيس التحالف الوطني، عمّار الحكيم، وصل إلى البرلمان وعقد اجتماعاً مع رئيسه، سليم الجبوري، لبحث القانون". وتابع أنّ الجبوري أطلعه على وجود "رفض قاطع" للقانون من قبل الكتل السنية، وأبلغه أن "الإصرار على تمرير القانون سيكون بمثابة طلقة الرحمة على مشروع التسوية التاريخية التي طرحها التحالف الوطني، ما يعني اشتعال أزمات جديدة بين الكتل السياسيّة قد تكون لها تداعيات خطيرة"، بحسب المصدر البرلماني نفسه. وأشار إلى أنّ "الحكيم تفهم الموقف، لكنّه أكّد عدم قدرته على إقناع كتل التحالف بذلك".
في غضون ذلك، وفي ظل هذه الأحداث المتسارعة، حاولت الحكومة انتزاع فتيل الأزمة. وأرسلت كتاباً رسمياً عاجلاً إلى رئاسة البرلمان، طلبت فيه "إعادة مشروع القانون إلى رئاسة الوزراء، لإعادة دراسته من جديد". وجاء في نص الوثيقة التي أرسلتها الحكومة إلى البرلمان، إنّ "مجلس الوزراء كان بانتظار إجراء التعديلات من البرلمان على مقترح القانون، ليتسنى لنا دراستها وعرضها على رئيس الوزراء، حيدر العبادي، للتوجيه بشأن عرضها على مجلس الوزراء، ليقر ما يراه مناسباً بشأن ما يترتب على المقترح من آثار مالية تستوجب بيان وجهة نظر الحكومة وفقاً لقرار المحكمة الاتحادية الرقم 21/اتحادية/2015". وأضاف المصدر ذاته أنّه بعد استلام البرلمان لهذه الوثيقة "ثارت ثائرة كتل التحالف الوطني، وعلت أصواتها داخل قبة البرلمان وأصرت على عقد الجلسة التي كانت معطّلة". وتابع إنه تم بعد ذلك "عرض القانون على التصويت، بحضور 210 نواب، مثلّوا جميع كتل التحالف الوطني البالغ عدهم 183 نائباً، يضاف إليهم عدد من النواب الأكراد، ونواب من تحالف القوى الموالين للتحالف الوطني، ليصوت 108 نواب على القانون ويكتسب شرعيته، بغياب كتل تحالف القوى والكتل الكردية".
الجبوري يبرر
وحاول رئيس البرلمان، سليم الجبوري، امتصاص الأزمة، مبرراً تمرير القانون ومعتبراً أنه "سيكون قابلاً للنقاش". وعقد الجبوري مؤتمراً صحافياً، أكّد فيه أنّ "القانون أخذ بالاعتبار تشكيل (الحشد) من كل أبناء المجتمع العراقي، وأنه لن يستثني مكوناً معيناً". وبيّن الجبوري أنّ "عمل الحشد سيكون مسك الأرض بعد عمليات تحرير" المناطق من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وأن "إبدالهم ونقلهم وتغييرهم مناطة بالقائد العام للقوات المسلحة حصراً، ولا يحق لأحد التدخل في ذلك". وأضاف أنّ "التركيبة العسكرية الممثلة بالقيادة العامة للقوات المسلحة يجب أن تفرض وجودها على كل من يحمل السلاح خارج إطار الدولة، ما يعني أنّ القوانين العسكرية هي التي تسري، وأنّ القانون لا يعفي من ارتكب انتهاكاً من المساءلة بل ستتم مساءلتهم وفقاً للقانون العسكري"، بحسب قوله. وأشار إلى أنّ "عملية تمرير القانون تمثل سابقة ولظروف معينة لم نستطع تمرير السياقات المتبعة في التصويت على القوانين، وأنّ هناك قرارات لاحقة، منتظرة من العبادي ومن هيئة الحشد، ستأخذ بالاعتبار مشاركة الجميع بالحشد".
تقويض الشراكة
وبعد اجتماع طارئ لكتل تحالف القوى عقب التصويت، وبحضور رئيس كتلة "متحدون"، أسامة النجيفي، انتقد تحالف القوى العراقية تبرير الجبوري لتمرير القانون. وحذّر من "خطورة تمريره"، معتبراً أنّه "ضرب التسوية السياسية بالصميم وأفشلها". وقال رئيس كتلة التحالف البرلمانية، أحمد المساري، في مؤتمر صحافي، إنّ "قانون الحشد أخلّ بالدولة ومؤسساتها ومقوماتها". وشدد على أنّ "الكتل السنيّة ترفض بشكل قاطع هذا القانون الذي فرض فرضاً بواقع الأغلبية العددية لا بواقع التوافق السياسي". وقال إن هذا الأمر "يزيد من حجم هواجس (هذه الكتل) حيال مبدأ الالتزام بالشراكة الوطنية وجديّة ما يسمى بمشروع التسوية السياسية المطروح حالياً". وأضاف أنّ "تحالف القوى العراقية يؤمن بأنّ إنشاء هيئات أمنية وعسكرية جديدة موازية لتشكيل الجيش والشرطة إنما هو إجهاض لمشروع الدولة، خصوصاً إذا ما كان البناء أحادياً وسيؤدي إلى مزيد من التفكك في البلاد". واعتبر أنّ "القانون هو تنصل عن الاتفاقات السياسية وتجسيد لدكتاتورية الأغلبية، ونسف للعملية السياسية".
ورفض النجيفي القانون، معتبراً أنّه "نسف العملية السياسية والشراكة في البلاد"، ومتعهداً بتقديم الطعن رسمياً بالقانون ضد القانون. وشدد على أهمية أن "يعاد القانون إلى مجلس الوزراء ويصاغ من جديد بالحوار مع الشركاء السياسيين". وأشار إلى أنّه "ظهرت أخيراً نزعة واضحة لإقرار القوانين المهمة من الأغلبية (في إشارة إلى التحالف الوطني)، وأنّ أغلبيتها لا تعطيها الحق بتقرير مصير كل البلد، فهناك مستقبل وحقوق يجب أن ترسم بمشاركة الجميع". وتابع إن "أي تسويات سياسية وأي حديث عن مصالحات سياسية مرفوض الآن من قبل (الكتل السنية) في ظل هذه التوجهات الفردية، التي تضعف الأمل ببناء عراق مستقر".
وبعد ساعات من طلبه إعادة القانون ودراسته، سرعان ما تراجع رئيس الحكومة، حيدر العبادي، عن موقفه، ليعلن ترحيبه بالقانون. وقال العبادي، في بيان صحافي: "نشدد مرّة أخرى على أهمية هذا القانون، فهؤلاء المقاتلون من شباب وكبار في السن يجب الوفاء لهم ولتضحياتهم التي قدّموها، والقانون أقلّ ما نقدّمه لهم". وأضاف أنّ "الحشد أصبح اليوم، تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة، وهو من يضع أنظمته، وسيمثل الحشد كافة أطياف الشعب العراقي، ويدافع عن جميع العراقيين أينما كانوا". واعتبر أن إقرار "قانون الحشد" في البرلمان لا يرضي "جماعات الفوضى التي عرقلت تمريره طوال هذه المدّة، لكنّ الإرادة الوطنية انتصرت عليهم"، بحسب تعبيره.
من جهته، اعتبر الخبير السياسي، عبد القادر أحمد، أنّ "القانون بادرة خطيرة على كافة المجالات السياسية والأمنية، وهو نسف لجهود بناء الدولة". وأضاف أنّ "القانون جعل من الحشد جيشاً موازياً للمؤسسة العسكرية وخارجاً عن سلطتها، ما يمنحها حصانة قانونية بتنفيذ واجباتها وانتهاكاتها التي ستنفّذ باسم القانون". وأشار إلى أنّه "مع خطورة القانون على الصعيد الأمني، فإنّ تمريره بأسلوب الأغلبية يشكل سابقة خطيرة جداً، محسوبة على البرلمان وعلى الحكومة، وهي نسف لكل جهود بناء الدولة والتوافقات والتفاهمات السياسية، والتي ستحتاج إلى إعادة تأطير وترتيب من جديد، وهذا الأمر صعب للغاية"، بحسب قوله.
ورجح أحمد أن "تتطور الأمور إلى أزمات جديدة، مع تشنج موقف تحالف القوى العراقية، والذي اعتبر أنّه في اجتماع مفتوح لمناقشة القانون، وقد يقود إلى قرارات غير متوقعة، ومنها انسحاب التحالف من العملية السياسية التي أصبحت أحادية الجانب، وتعرض المكون السني اليوم إلى تهميش كبير لم يتعرّض له من قبل". وأشار إلى أن "الموقف معقّد للغاية، ويحتاج إلى تدخل دولي وأممي لتلافي تداعياته الخطيرة قبل أن تتفاقم وتخرج على السيطرة".