​معركة الموصل: البعّاج عاصمة بديلة لـ”داعش”؟

​معركة الموصل: البعّاج عاصمة بديلة لـ”داعش”؟

العربي الجديد

الموصل ــ العربي الجديد - أنهت معارك استعادة مدينة الموصل يومها الثاني والعشرين بخارطة عسكرية مريحة، بل وغير متوقعة لبغداد، فقد أطبقت القوات المهاجمة على المدينة من ثلاثة محاور، هي الشمالي والشرقي والجنوبي، بعد تحرير بلدة حمام العليل الرئة الجنوبية للمدينة، مساء أول من أمس. وتشي مجريات المعارك نهار أمس الأحد أن القوات التي تحيط بالمدينة تستعد لشن هجوم شامل، بساعة صفر واحدة، من ثلاثة محاور، بدعم أميركي جوي وبري، وهو ما أكدته مصادر عراقية في بغداد، مرجحة أن يكون ذلك فجر غد الثلاثاء، إلا أن مسؤولين آخرين قالوا إن الخطة لم تتغير حتى الآن، وهي نفسها القديمة القائمة على أسلوب قضم الأرض والتقدم بشكل تدريجي إلى المدينة التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فيما قالت مصادر استخباراتية عراقية إن "التنظيم سينتقل إلى مدينة البعاج غرب الموصل ويتخذها عاصمة له بعد تحرير الموصل".

عملياً، لم تصل معركة الموصل بعد إلى الفترة الزمنية التي تطلبتها استعادة مدينة الفلوجة (43 يوماً) ومدينة تكريت (41 يوماً) أو مدينة الرمادي (57 يوماً)، إلا أن الفارق الأبرز هو عدد القوات المهاجمة للموصل، حيث بلغ عدد القوات التي تهاجم المدينة حالياً ثلاثة أضعاف التي هاجمت مدن أخرى، مثل الفلوجة وتكريت، وهو ما يعزوه مراقبون إلى سرعة تحقيق النتائج الكبيرة التي عززها دور قوي وفعال للتحالف الدولي. وشهدت معارك الأحد مواجهات ضارية بين الطرفين على طول مناطق التماس، تخللتها عمليات انتحارية لتنظيم "داعش" أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي والشرطة الاتحادية ومليشيات "الحشد الشعبي"، فيما ظهرت قوات البشمركة بدور المتفرج من بعيد على المعارك بعد إنهاء الدور المرسوم لها في الخطة بشكل شبه كامل.

وتركزت المعارك في المحور الشرقي في مناطق الانتصار والسماح الثانية وقرب مطمر النفايات فضلاً عن مشارف حي القدس أول أحياء الموصل الشرقية غير المسكونة، وهي من المناطق التي استحدثت أخيراً ضمن بلدية الموصل. وتستنزف قوات الجيش تنظيم "داعش" بشكل كبير في تلك المناطق، حيث يستميت التنظيم، منذ يومين، لعدم خسارتها نهائياً، كون ذلك يعني الدخول إلى مركز مدينة الموصل. وعلى المحور الشمالي، ما زالت المعارك تدور في الشلالات ومنتجع دجلة السياحي ومجمع سكني ومنطقة الكندي، وتقع جميعها على بعد كيلومترين من الموصل. وعلى المحور الجنوبي، نجحت القوات العراقية في إحكام قبضتها على بلدة حمام العليل، والاقتراب من أسوار الموصل بمسافة لا تزيد على خمسة كيلومترات، غالبيتها ذات طبيعة زراعية مفتوحة يسهل التقدم فيها، فيما لا يزال المحور الغربي من المحاور الهادئة مقارنة بباقي المحاور، على الرغم من قصف الطيران العراقي لأول مرة هذا المحور، حيث دمر الجسر العباسي، أحد أبرز الجسور التي تربط الموصل باتجاه الغرب مع سورية. وقال مسؤول عسكري عراقي إن "معارك الأحد كانت الأكثر صعوبة منذ أيام"، مضيفاً أن "المعارك تزداد ضراوة مع اقتراب القوات كل مرة من الموصل، وهناك مؤشرات على أن الدخول إلى الموصل لن يكون سهلا".

ساعة صفر للهجوم

وتسربت، مساء أمس، معلومات لـ"العربي الجديد" عبر مصادر عسكرية في بغداد أكدت أن "بغداد أرسلت قوات خاصة دربتها واشنطن في الأردن أخيراً لتعزيز القوات المهاجمة، ويبلغ تعدادها أكثر من ألف مقاتل، ليرتفع عديد القوات حول المدينة إلى 34 ألف مقاتل، جميعهم من القوات النظامية من الجيش والشرطة الاتحادية وقوات جهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع". ووفقاً للمصادر ذاتها فإن إرسال تلك القوات يأتي ضمن تغييرات في الخطة تتضمن شن هجوم واسع، في ساعة صفر واحدة، على المدينة بهدف اختراقها والوصول إلى جسر القادسية في قلب مدينة الموصل، حيث تمثل السيطرة عليه الإعلان عن تحريرها. وكانت سيطرة "داعش" عليه في عام 2014 بمثابة الإعلان عن سقوط الموصل بيده.

وبحسب المصادر في وزارة الدفاع العراقية فإن الهجوم سيتم عبر محاور الشمال والشرق والجنوب في وقت واحد، وبدعم من التحالف، مرجحة أن يكون ذلك فجر الثلاثاء، إلا أن مسؤولين بارزين في غرفة قيادة العمليات المشتركة أكدوا، لـ"العربي الجديد"، عدم صحة ذلك، موضحين أن "خطة قضم الأرض والسيطرة التدريجية على الأحياء السكنية لم تتغير"، مشيرين إلى وجود خلافات بين رئيس الحكومة، حيدر العبادي والأميركيين حول ترك المحور الغربي مفتوحاً، وهو ما يتيح للتنظيم الانسحاب عبره. ويرى الأميركيون أن انسحاب "داعش" سيجنب الموصل دماراً كبيراً ومجازر محتملة بحق السكان بسبب القصف والمعارك التي ستحدث، على غرار ما حصل في الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، وهم يسعون لترك منفذ لهم للانسحاب من المدينة كما حصل في الفلوجة منتصف العام الحالي، إلا أن العبادي وأحزاباً أخرى، فضلاً عن مليشيات "الحشد الشعبي"، يرفضون ذلك بشكل كامل ويريدون إدارة معركة أخيرة داخل الموصل حتى لو تم تدميرها، وهو ما بدا واضحاً في قصف طائرات عراقية جسر العباسية الثاني غرب الموصل واستهداف طرق سريعة تؤدي إلى دير الزور. خلال ذلك قالت مصادر عسكرية عراقية لـ"العربي الجديد" إن "مروحيات الأباتشي الأميركية باتت عنصراً أساسياً في المعارك الدائرة منذ فجر اليوم (أمس)"، مؤكدة أن أغلب المناطق التي تم استردادها كانت بفضل تلك المروحيات. ومما يتبين فإن هناك خلافات في وجهات النظر العراقية الأميركية، فضلاً عن تضارب المعلومات بشأن الحديث عن ساعة صفر، وهو ما قد توضحه الساعات المقبلة من القتال.

البعّاج عاصمة "داعش" البديلة

ومع بدء الحديث عن العملية العسكرية المشتركة باتجاه مدينة الرقة، التي تمثل عاصمة "داعش" في الشطر السوري، تشير مصادر عراقية استخباراتية إلى أن قضاء البعاج هو وجهة التنظيم، ومقره البديل بعد الموصل. وقال مسؤول عراقي بارز، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التنظيم، وبعد التغييرات الحالية في الهجوم على الرقة، لن ينسحب باتجاه هذه المدينة بعد خسارته معركة الموصل، لكن البعاج ستكون هي المكان الأكثر ملائمة له"، مبيناً، في اتصال هاتفي أجري من بغداد معه، إن "تقارير الاستخبارات تؤكد أن المنفذ الغربي سيكون ممراً للانسحاب، حتى لو تحدت مليشيات الحشد الرغبة الأميركية في إبقاء المحور مفتوحاً وقررت المهاجمة تحت غطاء الطيران الحكومي العراقي، فإن مناطق منه ستبقى ممرات طبيعية بحكم تضاريس المنطقة". ويوضح أن "البعاج هي المكان الأنسب لهم، كما أنها ستبقيهم محصنين فترة من الزمن قد تمتد لبضعة أشهر".

والبعاج مدينة عراقية تقع على بعد 100 كيلومتر غرب الموصل، وتبلغ مساحتها نحو 10 آلاف كيلومتر مربع، وهي ذات تضاريس صعبة للغاية. ويحدها من الغرب الحدود السورية عبر محافظة الحسكة، ومن الجنوب محافظة الأنبار، وتحديداً صحراء الأنبار، ومن الشمال والشرق سلسلة جبال سنجار، أعلى قمم جبلية في العراق، وهي مدينة ذات طابع عشائري بحت، وتقطنها قبائل شمر وعنزة وزبيد والعكيدات والصكور وعيال الشيخ والجبور وغيرها من العشائر العربية. وتعرضت البعاج في زمن حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي إلى سلسلة مجازر وانتهاكات ذات بعد طائفي ما ساعد على سقوطها بيد التنظيم في أول ساعات اقتحامه العراق قادماً من سورية في العاشر من يونيو/حزيران اعام 2014، حيث لم يجد الجيش هناك أي مساعدة من الأهالي الذين تركوه يواجه تنظيم "داعش".

ويتبع قضاء البعاج الكثير من النواحي والقرى، من أبرزها ناحية العدنانية والقحطانية ومجمع والجغيفي والصكار والنوفلي والحمدانية وأم الروس والكرعان وخوتلة الصغرى وأبو خويمة والمجفا وركاب الطير. وتمثل المدينة واحدة من المدن الحدودية مع سورية، وفيها آثار للقائد العربي صلاح الدين الأيوبي، أبرزها قلعته ومرابط خيل الجيوش التي توجهت إلى القدس لتحريرها. ويقول الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، فؤاد علي، لـ"العربي الجديد"، "هذه المدينة مؤهلة لتكون مقراً لداعش أو معقله الجديد"، موضحاً أن "تضاريس المدينة ومساحتها الكبيرة وقربها من سورية ومن ثم صحراء الأنبار وسلسلة جبال سنجار يجعلها المكان الذي سيطيل عمر التنظيم شهوراً إضافية"، مضيفاً "مدينة البعاج هي المكان الأفضل أو البديل الوحيد للتنظيم بعد الموصل في ظل الحديث عن بدء الهجوم على الرقة".


شارك الموضوع ...

كلمات دلالية ...

​معركة الموصل  ,   البعّاج  ,   العربي الجديد  ,