لماذا تبدو معركة الموصل صعبة ومكلفة؟
لماذا تبدو معركة الموصل صعبة ومكلفة؟
القدس العربي - في مايو عام 2003 نجحت قيادة الفرقة 101 المحمولة جوا الأمريكية بترتيب اول انتخابات محلية في العراق، كان ذلك في الموصل، حيث انتخب مجلس محافظة بعد مفاوضات أشرف عليها قائد تلك الفرقة العسكرية الخاصة بالجيش الأمريكي، ديفيد بترايوس، الذي أصبح لاحقا قائدا للجيش الامريكي في العراق، ثم مديرا للمخابرات. وأذكر أني سألت بترايوس في مجلس عن قدرته على إتمام الاستقرار في الموصل السنية في ظل بزوع سلطة طائفية في بغداد، وكان حينها يشير إلى شريكيه العراقيين السنيين اللذين تعاونا معه في إتمام مفاوضات عقد انتخابات مجلس نينوى واللذين كانا يقتسمان السيطرة على الموصل، وهما مشعان الجبوري وإياد الحمداني، بدعم كبير من بارزاني آنذاك. اليوم، وبعد 13 عاما، تعود الفرقة الامريكية نفسها لحصار الموصل مع قوات بارزاني. فأكبر مدن السنة في العراق ظلت متمردة على سلطتي بغداد وأربيل بعد كل هذا السنين من المواجهات، إن كان بفترة المقاومة المسلحة أو الحراك الشعبي السني حتى اليوم، وهذا يظهر بوضوح أن السيطرة العسكرية والأمنية من قبل قوات تغلب عليها مكونات مختلفة عرقيا وطائفيا وإن تمت، فانها تظل رخوة وقابلة للانهيار في أي وقت، لذلك فان معركة الموصل اليوم وإن أدت بالنهاية للسيطرة على المدينة فانها قد لا تكون المعركة الاخيرة.. اليوم ومع بدء الهجوم لاستعادة الموصل، قد يبدو أن إخراج التنظيم بات مسألة وقت وإن امتدت المعارك لبداية العام المقبل أو حتى للربيع المقبل، إن لم تحدث مفاجآت، ولكن هذه الشهور المقبلة ستكون مكلفة وعصيبة على القوات المهاجمة. وهناك عدة عوامل تجعل تلك المعركة صعبة، أحدها أن المدينة محاطة بخطوط دفاعية عريضة، وبعضها ضمن حزام لقرى عشائرية جنوب وغرب الموصل، هذه القرى ظلت على مدى السنوات العشر الماضية معقلا لفصائل مسلحة، وبعضها مثل بلدة قبر العبد التي يسكنها البو حمدان أطلق عليها قندهار، لانتماء الكثير من ابنائها للفصائل الجهادية.
ورغم أن التنظيم اعتمد بداية الأمر على «الجرياويين» كما يسمون، وهم سكان القرى، أكثر من أهل المدينة، إلا أن قطاعات واسعة من سكان المدينة انضمت للتنظيم، وهو ليس بالأمر السهل، خصوصا أن نسبة كبيرة منهم كانت تنتشر بينهم الطرق الصوفية والتوجه الإخواني المعادية بشدة للجهادية وتنظيم الدولة، فباتت معظم قيادات المؤسسة الأمنية بيد عناصر من المدينة، وكثير من القيادات العسكرية كذلك، إضافة إلى أن بعض علماء الموصل كالدكتور شفاء النعمة انضموا للتنظيم وباتوا من كبار الشرعيين فيه. ومن لا يملك اتصالا مع السكان بداخل الموصل قد يختلط عليه الامر، بين نسبة المؤيدين والمعارضين للتنظيم، لأن الطرفين لهما تمثيل داخل المدينة، ويبدو استطلاع معهد واشنطن، القريب من دوائر صنع القرار الامريكي، يعطي فكرة لمن يريدون رؤية الصورة من الخارج، عن تزايد ميول السكان نحو التنظيم الذي «حقق للسكان السنة أمنا اجتماعيا» كما يصف تقرير المعهد الامريكي، فهو يخرج بنتائج بعد عام ونصف العام من الاستطلاعات للرأي، أن نسبة المؤيدين للتنظيم ارتفعت من 10% إلى 39% داخل الموصل، ونسبة الذين يرون أن حياتهم أفضل بعد دخول التنظيم وصلت لـ55%. عسكريا، فقد اجتمع في الموصل معظم قطعات التنظيم التي انسحبت من الفلوجة وجرف الصخر والرمادي، وهي لن تملك مدينة أخرى في العراق للبقاء إن سقطت الموصل، لذلك تبدو إطالة هذه المعركة هدفا استراتيجيا، قبل أن يضطر التنظيم للانسحاب للرقة، وميدانيا سيكون أمام تنظيم «الدولة» مساحات واسعة لضرب خطوط الإمداد من بيجي إلى الشرقاط إلى القيارة وحتى كركوك كما فعل أمس الجمعة، ومن الواضح انه لا خيار اخر يبعد مصير حصار الموصل المحتوم الا بفتح المعارك في هذه الجبهات، في سبيل إضعاف بؤر الامداد للقوات المهاجمة، وان نجح التنظيم بذلك فهذا سيؤدي لخلط اوراق المعركة وإطالتها.
العامل الآخر الذي قد يسهم في جعل المعركة اصعب يتعلق بما سميناه سابقا «النطاق الكردي»، فمع بداية المعركة ظهر بوضوح تعثر قوات البيشمركة في الجبهات المنوطة بها، وتعرضها لخسائر فادحة بلغت نحو المئة قتيل، حسب التقارير السرية التي اطلعنا عليها من خلال مصادر خاصة بغرفة العمليات المشتركه، وكما أوضحنا، فإن القوات الكردية غير قادرة على تقديم خسائر كبيرة ولا المواصلة في معركة طويلة، وفي الوقت نفسه فإن القوات القادرة نسبيا على تقديم خسائر والزج بأعداد كبيرة في المعارك هي قوات الحشد الشيعي وبعض قطعات الجيش الحكومي، ولكن التقاطعات الخاصة بمعركة الموصل قللت من الاعتماد لحد الآن على الحشد وهو القوة الاساسية والتي نجحت في استعادة كل المدن السابقة من يد التنظيم بغطاء جوي امريكي بطبيعة الحال، وهكذا وبسبب عدم رغبة الاكراد بمنح الميليشيات الشيعية دورا اكبر في معركة الموصل، ستظل مشاركة الحشد محصورة ببعض الجبهات فقط كتلعفر، وليس جميعها، ولن تقبل اربيل بمشاركة للحشد شرق الموصل في برطلة وبعشيقة، وهذا التخوف الكردي سيزيد التشتت في قيادة المعركة، خاصة أن حديثا يدور في أروقة المجتمع الكردي اليوم عن أن اليوم التالي لسقوط الموصل قد يعقبه نزاع كردي شيعي بين اربيل وبغداد.