استغاثة في الأمم المتحدة من «حرب إبادة طائفية ضد أهل الفلوجة بغطاء أمريكي ودعم إيراني»
استغاثة في الأمم المتحدة من «حرب إبادة طائفية ضد أهل الفلوجة بغطاء أمريكي ودعم إيراني»
نيويورك (الأمم المتحدة) «القدس العربي»: وجّه «مركز جنيف الدولي للعدالة» نداء عاجلا إلى الأمين العام للأمم المتحدّة، بان كي مون، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، وإلى كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدّة، يدعو «لقيام كل طرف بمسؤولياته لإيقاف الحملة العسكرية التي تجري ضد مدينة الفلوجة العراقيّة، والتي تتم بغطاء أمريكي ودعم إيراني وبتنفيذ الميليشيات الطائفيّة التي تهيمن على وحدات الجيش العراقي».
وجاء في النداء أيضا أن «ما يجري في العراق الآن يرقى إلى عمليات إبادة جماعية تستهدف المدنيين العزل، ضمن توجّه طائفي واضح ومعلن تؤكدّه تصريحات كثيرة من القادة العسكريين وقادة الميليشيات المنضوية تحت ما يسمّى «الحشد الشعبي»، فضلاً عن القادة الدينيين المرافقين له. كما أنها خرق سافر لقواعد القانون الدولي الإنساني وفي المقدّمه منه اتفاقيات جنيف وبخاصة الاتفاقية الرابعة المتعلّقة بحماية المدنيين وقت الحرب، وخرق لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان».
ويرى مركز جنيف الدولي للعدالة أن «محاربة المجاميع الإرهابية من خلال حملات عسكرية واسعة النطاق لا يؤدي إلا لقتل المدنيين وتدمير المدن وتحويلها إلى أماكن غير قابلة للسكن مستقبلاً، في حين يتسرّب الإرهابيون إلى مناطق أخرى.
إن الأمم المتحدّة تعرف ذلك جيداً، خاصّة أنها قيّمت ما حصل من تدمير كامل لمدينة الرمادي العراقية في وقت سابق من هذا العام 2016، إذ لم تعد المدينة قابلة للسكن».
ويضيف: «المدنيون في الفلوجة يدفعون الثمن غالياً. فقد نجم عن القصف الجوي مساء الأحد 22/5/2016 قتل عدد غير قليل من المدنيين، بينهم 11 شخصاً من عائلة واحدة حسب ما أكدّته مصادر رسميّة عراقيّة.
وخلال اليوم التالي أعلن مستشفى الفلوجة التعليمي تلقيه جثامين 10 من ضحايا القصف ـ بينهم خمسة أطفال وثلاث نساء ـ فضلا عن 25 جريحا، من بينهم 12 طفلا وثمانية نساء. وبلغت الحصيلة يوم الثلاثاء 24/5 مقتل 16 مدنيا وجرح أكثر من 40، غالبيتهم من الأطفال والنساء. وتعزو المصادر الطبّية ذلك إلى إصرار الميليشيات وخاصّة «حزب الله» و«كتائب الخراساني» و«عصائب أهل الحقّ» على استهداف الأحياء المدنية بصواريخ كاتيوشا وغراد وراجمات الصواريخ».
أوقفوا هذه الحملة
ويتابع البيان: «المطلوب الآن التوقف فوراً عن مثل هذه الحملات العسكرية غير المجدية، واتباع نهج آخر يعالج الأسباب المؤدية إلى تزايد الإرهاب، يعتمد ما جاء في استراتيجية الأمم المتحدّة لمكافحة الإرهاب المصادق عليها في أيلول / سبتمبر 2006، وكذلك ما جاء في خطّة العمل التي أعلنها الأمين العام في 15 كانون الثاني / يناير 2016، التي تؤكدّ في الفقرات 4 و5 و6 «قناعة المجتمع الدولي بأن التصدّي للإرهاب خلال العقد الماضي من خلال الحلول الأمنيّة أثبت عدم فاعليته ويجب اتباع نهج شمولي وسياسات وإجراءات وقائية تحدّ من العنف والتطرّف وتقوم طبقاً للمعايير الدوليّة وبالاتساق مع التزامات الدول الأعضاء بموجب القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان».
وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد أعلن مساء الأحد 22 أيار / مايو 2016، بدء ما عُرف باسم معركة «تحرير الفلوجة» في محافظة الأنبار. وانضمّ عدد من قادة الميليشيات في الإعلان عن هذه المعركة. وأطلقت صرخات مغلّفة بإطار طائفي. كما تم تأكيد مشاركة ما يسمى «الحشد الشعبي»، هذه المجموعات المسلّحة التي تتلقى الدعم من قبل المستشارين العسكريين الإيرانيين، كما تستفيد من الغطاء الجوي الأمريكي الذي توفّره قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
ودعا الجيش العراقي المواطنين في الفلوجة إلى مغادرة المدينة من خلال ما وصفها بـ»الطرق الآمنة التي سيتم الإعلان عنها لاحقا». كما طالب جميع الأسر غير القادرة على الخروج من المدينة برفع الراية البيضاء على أسطح المنازل، حتى يتسنّى للجيش أن يكون قادراً على التميّيز بينهم وبين المشتركين في القتال.
ويقول البيان إن «هذه الخطة خيالية إلى حدّ ما: فقبل كل شيء، لم يتم توفير «الطرق الآمنة» بعد، في حين أن الهجوم الواسع قد بدأ بالفعل. وعلاوة على ذلك، أثبتت الأحداث الماضية أن هناك تجاهلا تاما من الوحدات العسكرية التابعة للحكومة والميليشيات للمدنيين، الذين غالباً ما كانوا يتعرّضون للقتل أو الاعتقال في كل مرّة يتمكنون فيها من الهروب من المدن المحاصرة».
ويقول: «هذه التصريحات لا تعدو كونها محاولة من السلطات العراقية لتضليل الرأي العام ودفعه إلى الاعتقاد أنها تسعى لحماية المدنيين. ولو كانت هنالك جهود حقيقية لحماية المدنيين، لكان قد تم تنفيذ استراتيجية تفصيلية ودقيقة من قبل السلطات: إما بإخلاء المدينة قبل بدء الهجوم، أو على الأقل توفير الحماية اللازمة والمأوى لأولئك الذين يستطيعون الخروج من المدينة».
ويمضي البيان ليذكّر بأنه «منذ غزو عام 2003 والاحتلال الذي تبعه، تعرّضت المدينة لعدّة حملات عسكرية، بما في ذلك الحملتان الرئيسيتان اللتان قادتهما الولايات المتحدة في آذار / مارس وتشرين الثاني / نوفمبر 2004، مما أدّى إلى تدميرها تدميراً شبه كامل.
قتل النساء والأطفال
وفضلاً عن ذلك، ففي السنوات الأخيرة، أوردت الأنباء أن القوات الحكومية والميليشيات قامت بقصف ممنهج ضد المدنيين في المدينة على شكل عمليات عسكرية تحمل شعارات طائفية، مما أدى إلى مجازر عديدة ضد المدنيين وبخاصة النساء والأطفال».
ويقول: «منذ بداية عام 2016 تم محاصرة الفلوجة، ومنعت جميع المواد الغذائية والأدوية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، من دخول المدينة. ويبدو، من البيانات والشعارات المرفوعة، أن الحملة الأخيرة ليست سوى هجوم طائفي تصحبه عمليات قتل واسعة، والتي يمكن أن تشكل في محصلتها جرائم إبادة جماعية، على حساب المدنيين الفلوجة.
«والهجوم الحالي مدعوم من إيران ـ لا سيما من قبل الحرس الثوري. فقد زوّدت الجيش العراقي بالأسلحة والذخيرة التي تحمل لافتات وصوراً ذات دلالات طائفية، الأمر الذي لا يؤدّي الاّ إلى مزيد من الإحتقان الطائفي وإشاعة الكراهيّة.
«إن الدور الذي تلعبه إيران يبعث على القلق. فهذه الدولة لا تعطي أي وزن لحقوق الإنسان ولا للاعتبارات الإنسانيّة، ومن شأن مشاركتها أن تزيد من عمليات الإنتقام ضد المدنيين».
ويرى مركز جنيف الدولي للعدالة أن «ما يجعل الوضع أكثر إثارة للجدل هو الغطاء الجوي الذي توفّره الولايات المتحدة، الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. ففي ظلّ هذا الغطاء تواصل الميليشيات، المعروفة بارتكاب أعنف الجرائم ضد المدنيين العزل، انتهاكات في إطار عقيدة من الكراهية الطائفية. فقد صرح قادة الميليشيات يوم الاثنين، 23/5/2016، بضرورة تدمير الفلوجة، بل استئصالها من العراق ـ على حد تعبير أحدهم ـ معتبرين أنها مصدر الإرهاب».
ويضيف: «كما هو متوقع، فإن «تحرير» الفلوجة لن يختلف كثيراً عن غيره من عمليّات «التحرير» السابقة التي جرت في الرمادي وتكريت وبيجي أو جرف الصخر، والتي ادّت إلى التدمير التام لهذه المدن، فضلاً عن قتل العديد من المدنيين الأبرياء. وكمثال على ذلك، فقد أكدّت الأمم المتحدة على ان تدمير الرمادي شيء «مذهل»، وربما أسوأ من أي مكان آخر في العراق.
إبادة جماعية
يقول البيان أيضا إن «مركز جنيف الدولي للعدالة يؤكدّ أن ما يجري يرقى إلى عمليّات إبادة جماعية، تترافق مع تدمير معظم البنى التحتية والمنازل والمحلاّت التجارية والممتلكات العامة والأراضي الزراعية وبالتالي تحويل المدن المستهدفة إلى أماكن غير صالحة للسكن وتحقيق سياسة منهجية لتشريد سكـانها من قبل أصحاب الأيديولوجيات الطائفية. ولقد أكدّت الأحداث التي يوثقها المركز أن هذه السياسة موجهة في الغالب ضدّ العرب السنة.
«وليس من قبيل الصدفة أن بداية معركة الفلوجة تزامنت مع اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء يوم الجمعة 20 أيار/مايو 2016، مع مقتل أربعة متظاهرين وجرح نحو 110 أشخاص آخرين. ولعل هذا التزامن يؤكد أن السلطات العراقيّة تريد تحويل الانتباه بعيداً عن مطالب المتظاهرين والفشل المزمن في الاستجابة للصرخات المدوية للشعب العراقي، والتي هي ببساطة تدعو إلى تحسين الظروف المعيشية وتأمين الحقوق الأساسية التي ظلت مطلباً اساسياً منذ فترة طويلة مهملة.
ويؤكد مركز جنيف الدولي للعدالة أنه يؤيد «القضاء على الجماعات الإرهابية أينما كانت في مدن العراق. ومع ذلك، فإن هذا لا يمكن أن يتحقق من خلال النهج الوحشي للسلطات العراقية والميليشيات المدعومة من القوات الجوية الأمريكية وقوات الحرس الإيرانية. فقد أثبتت الأحداث خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية أن السياسة المُتبعة لم ينتج عنها سوى الأذى والقتل للمدنيين وأدت بالمقابل إلى تكاثر الجماعات الإرهابية وتعاظم وحشيتها. كما أنها تسبّبت في تشريد الملايين من العراقيين، بما في ذلك التدمير الكامل للمدن بأكملها.
ولذلك يحث المركز على وجوب توقف مثل هذه الهجمات العنيفة على السكان على الفور، وضرورة اتباع نهج مختلف من أجل «تحرير» المدن مثل الفلوجة، لأن سفك دماء المدنيين باسم محاربة الإرهاب ليس أقل خطورة من الإرهاب نفسه.
نداء للمجتمع الدولي
مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المذكورة أعلاه، فإن مركز جنيف الدولي «يطالب المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص الأمم المتحدة، باتخاذ جميع التدابير اللازمة وما يلزم من السياسات من أجل حل شامل ومستدام يخفـف من معاناة الشعب العراقي».
ويرى المركز أن «من المهام الملحة جدّاً أن تتولى الأمم المتحدة الضغط على جميع الدول المعنيّة لتغيير نهجها في «مكافحة الإرهاب» بأثر فوري، وأن تتبع المسارات والنُهج المحدّدة في استراتيجية الأمم المتحدّة لمكافحة الإرهاب، بما يسهم في التوقف عن سفك الدماء وتدمير المدن وتحطيم القدرات اللازمة لاستمرار الحياة في المناطق التي يجري استهدافها بالعمليات الحربيّة واسعة النطاق.