نص خطاب الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة بالعراق السيد/ يان كوبيش امام جلسة مجلس الأمن يوم
نص خطاب الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة بالعراق السيد/ يان كوبيش امام جلسة مجلس الأمن يوم
...الجمعة 6 ايار/ مايو 2016 ..
شرفني أن أعرض التقرير الثالث للأمين العام (S/2016/396) عملا بالفقرة 7 من القرار 2233 (2015)، وأيضا التقرير العاشر للأمين العام (S/2016/372)) عملا بالفقرة 4 من القرار 2107 (2013) بشأن مسألة المفقودين من الكويتيين ومن رعايا البلدان الثالثة ومسألة الممتلكات الكويتية المفقودة.
منذ إحاطتي الإعلامية السابقة في مجلس الأمن (انظر S/PV.7623)، اجتاحت بغداد والبلد أزمة سياسية عميقة تسببت بشلل وجمود أعمال الحكومة ومجلس النواب. إن إخفاق حكومة العراق والطبقة السياسية في التوصل إلى اتفاق وتنفيذ الإصلاحات التي من شأنها تحسين إدارة الحكم والمساءلة وتحقيق العدالة للجميع على قدم المساواة، وتوفير الوظائف والخدمات وقطع دابر الفساد، كما يطالب بذلك الشعب العراقي، ولا سيما في بغداد والمحافظات الجنوبية الشيعية منذ آب/أغسطس الماضي، قد دفع المتظاهرين إلى طلب إصلاح الحكومة بأسرها وكذلك العملية السياسية، والمطالبة بالتخلي عن نهج الحصص العرقية والطائفية التي ما برحت مترسخة في النظام السياسي العراقي منذ عام 2003.
في شباط/فبراير انضم مؤيدو السيد مقتدى الصدر إلى مزيج من المحتجين من المجتمع المدني. ونتيجة تلك الضغوط، حاول رئيس الوزراء العبادي الإسراع في تقديم برنامجه للإصلاح والاستعاضة عن مجلس الوزراء المشكل على أساس الانتماء الحزبي أو العرقي أو الطائفي بما يسمى بحكومة مؤلفة من أشخاص تكنوقراطيين، كما طالب بذلك الصدر، من بين آخرين. وبالنسبة لغالبية المحتجين العراقيين، فإن هذه الحكومة لازمة لسن إصلاحات حقيقية، تخلص البلد من نظام المحسوبية القوي، وتحقيق النجاح في مكافحة الفساد. ومهما يكن من أمر، فإن الأغلبية من الكتل السياسية العراقية ترفض إصلاحا جذريا للعملية السياسية. وتعتبر هذه المحاولات عبارة عن جهود ترمي إلى نزع الشرعية ليس عن الحكومة أو مجلس النواب فحسب، بل أيضا عن النظام السياسي برمته. ومما تجدر ملاحظته أن تلك الكتل تعتبر أيضا عمل الصدر محاولة لتولي السلطة ارتكازا على الخلفية الشيعية.
بعد شهور من الجدل وأسابيع من الشلل السياسي وانقسام في مجلس النواب، تمخض الوعد بإيجاد حل للجمود السياسي عن بعض التعيينات الوزارية الجديدة في الاجتماع البرلماني المنعقد في 26 نيسان/أبريل. بيد أن ذلك الأمل قد تعرض لانتكاسة كبيرة في 30 نيسان/أبريل. وما أن اتضح أن التصويت لن يتم على مجموعة أخرى من المرشحين للوزارات من التيار الصدري، اخترق المتظاهرون من التيار الصدري ومن المجتمع المدني نقاط التفتيش في المنطقة الخضراء واقتحموا مبنى البرلمان. وللأسف فإن أعمال التخريب والهجمات على بعض أعضاء البرلمان أنهت ممارسة من الاحتجاجات السلمية دامت لشهور عديدة. لقد انسحب المحتجون من المنطقة الخضراء في اليوم التالي، إلا أنهم تعهدوا بالقيام بمزيد من العمل في سلسلة من الخطوات التصعيدية وهي: رفض القادة الدستوريين الثلاثة في البلد، وإجراء انتخابات مبكرة، وتتوج تلك الخطوات، إذا اقتضى الأمر، بشن الهجمات على مقر السلطة، والعصيان المدني، أو القيام بإضراب عام، ما لم تقم الحكومة والبرلمان بإحراز تقدم سريع في موضوع الإصلاحات. في هذه المرحلة، وعلى الرغم من أن الحالة قد هدأت، لا يزال من غير الممكن التنبؤ بها، ويمكن أن تتبدى مظاهرها في اتجاهات مختلفة عديدة.
منذ بداية الحركة الاحتجاجية المؤيدة للإصلاح في آب/أغسطس 2015، ما انفكت القيادة الدينية الشيعية، أي المرجعية الدينية، تؤيد طلبات الشعب من أجل إيجاد حلول سياسية للأزمة السياسية الراهنة العميقة، فضلا عن إجراء إصلاحات تدريجية في العراق، بما في ذلك من خلال أحدث بيان صدر عن مكتب آية الله العظمى علي السيستاني في 4 أيار/مايو، حيث جددت المرجعية الدينية في ذلك البيان إنذارها للأطراف من مغبة الاستمرار في المسار الحالي في التعامل مع قضايا البلد ومع العديد من الأزمات، ودعاها البيان إلى التفكير في مستقبل شعبها واتخاذ خطوات جادة وملموسة لحسم الحالة الراهنة.
أحض بقوة الحكومة، والقادة الدستوريين والسياسيين والمجتمع المدني على العمل معا في حوار بناء، لن يؤدي فقط إلى حل المأزق السياسي، بل يعطي منظورا واضحا لمستقبل أفضل للشعب، أي حوار يوحد أبناء الشعب العراقي وقادتهم. إن الإبقاء على التركيز وتوحيد الجهود في مكافحة ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام لا يزال يمثل أولوية حاسمة، تليها تعبئة المساعدة الدولية للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة، فضلا عن الأزمة الإنسانية، وتعزيز الاستقرار وعودة المشردين داخليا. إن اتباع النهج القائل بأن الأمور تسير كالمعتاد لن يكون كافيا للشعب. فالشعب يريد تغيرا حقيقيا يحسن من ظروف حياته.
من الحتمي استئناف العمل في مجلس النواب، وتأكيد قيام حكومة قادرة على تعزيز إصلاحات حقيقية ولديها الاستعداد للقيام بذلك. ويجب على المجموعات السياسية العراقية أن تتعاون معا لإيجاد حل سياسي يرتكز على الدستور والقانون والمبادئ الديمقراطية من أجل تلبية احتياجات الناس، وإنهاء الانقسام والشلل في البرلمان، ويمكٍن من الإسراع في سن الإصلاحات اللازمة، واتخاذ تدابير لمكافحة الفساد، والسير السلس لعمل مؤسسات الدولة من دون تهديد أو تخويف. كذلك أهيب بالحكومة العمل على اتخاذ خطوات محددة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية كجزء من عملية الإصلاح.
على الرغم من التقدم الملحوظ والمتسق في الميدان ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنه يظل عدوا هائلا وقاطعا يعمل باستمرار على تعديل تكتيكاته وأنماط هجماته، بينما يأخذ في الحسبان التطورات الحاصلة في سوريا. وكما أبلغ الأمين العام المجلس في مناسبات عديدة، فإنه لا يمكن دحر التنظيم بالوسائل العسكرية وحدها. فبدون معالجة الأسباب الجذرية للتطرف العنيف والإيديولوجية الأساسية لها، لن يُكتب للجهود الاستدامة والثبات. إذ أن الانتصارات العسكرية ينبغي أن يكملها تقديم الدعم للنازحين، وزيادة جهود تحقيق الاستقرار، وإعادة التأهيل التي تعطي أولوية لسيادة القانون والحكم الصالح، وتمكين المشردين داخليا من العودة الآمنة إلى مواطنهم الأصلية. وفي الوقت نفسه، يجب على العراقيين إعطاء الأولوية للمصالحة السياسية والطائفية.
إن استئناف الاتصالات والحوار مؤخرا بين بغداد وإربيل ينبغي أن يتحول إلى شراكة حقيقية للتعاون ذي المنفعة المتبادلة. من الضروري تسوية الخلافات والعمل معا. فالإصلاحات تعمل على تهيئة الظروف من أجل تعزيز الدعم المالي والتقني المقدم من المجتمع الدولي إلى العراق، بما في ذلك إقليم كردستان.
إن زيارة الأمين العام إلى العراق في 26 آذار/مارس التي رافقه فيها السيد جيم يونغ كيم، رئيس مجموعة البنك الدولي، والسيد أحمد محمد علي المدني، رئيس البنك الإسلامي للتنمية، كانت مثالا لجدية المجتمع الدولي على دعمه للعراق. ويجب على العالم أن يعترف بأن العراق عند هذا المنعطف الحرج بحاجة إلى زيادة الدعم الدولي، لا تقليصه لأنه يكابد العديد من التحديات وينأى بنفسه عن تركة الماضي المتمثلة في سوء الحكم والفساد. والمجتمع الدولي مستعد لتقديم مزيد من الدعم، ولكن يجب على العراقيين أنفسهم أن ينفذوا الإصلاحات الكفيلة بوضع بلدهم على طريق التعافي.
أرحب بالتقدم المحرز خلال مفاوضات العراق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو تقدم ينبغي أن يوضع في صيغته النهائية خلال جولة أخرى من المفاوضات تجري في عمّان في منتصف أيار/مايو.
ولا بد أيضا من تحقيق نتائج إيجابية لتعزيز قضية العراق في مؤتمر القمة المقبل لمجموعة السبعة الذي سيعقد في اليابان.
إن تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة حديثا ما برح أولوية، وعنصرا رئيسيا في إرساء أسس المصالحة في المستقبل. إذ أن المشاكل هائلة، كما يتبين من مثال محافظة الرمادي، بالاقتران مع التحديات الضخمة التي تسبب بها مستوى التدمير الواسع، والتلوث غير المسبوق الناجم عن الأجهزة المتفجرة. وعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقتها الحكومة حيال الخطر الذي تشكله الأجهزة المتفجرة المرتجلة، فقد عادت بالفعل آلاف الأسر اليائسة إلى مدينة الرمادي والمناطق المحيطة بها. ونشعر بقلق بالغ إزاء الأنباء التي تتحدث عن وقوع عشرات الإصابات في صفوف المدنيين جراء الشراك الخداعية والأجهزة المتفجرة المرتجلة التي نصبها تنظيم الدولة الإسلامية، فضلا عن مخلفات الأجهزة المتفجرة. إن دائرة الإجراءات المتعلقة بالألغام التابعة للأمم المتحدة، بالتعاون الوثيق مع السلطات الوطنية وسلطات المحافظات وبتوجيه منها، قامت بدور في المساعدة على حشد القدرات الدولية للتصدي للمتفجرات من مخلفات الحرب، بما في ذلك الأجهزة المتفجرة المرتجلة على الصعيد المحلي.
يساورني القلق إزاء التقارير التي تفيد باستخدام داعش للمواد الكيميائية كأسلحة في هجماتها على المدنيين وعلى قوات الأمن، كما حدث مؤخرا في بشير، وتازة ومطر. إني أحض المجتمع الدولي على تأييد التحقيقات الجارية في تلك الحوادث والتي تقوم بها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وضمان مساءلة أي شخص يثبت تورطه في استخدام الأسلحة الكيميائية أو تيسيره استخدامها.
إن الأزمة الإنسانية في العراق لا تزال من أسوأ الأزمات في العالم. فقد تضاعف خلال السنة الماضية عدد العراقيين الذين بحاجة إلى مساعدة. وإن ما يقرب من ثلث السكان، أي أكثر من 10 ملايين شخص، بحاجة الآن إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية. ومن المؤكد أن تؤدي الحملة العسكرية في الأشهر المقبلة، رهنا بنطاقها وكثافتها، إلى تشريد جماعي. وفي سيناريو أسوأ الافتراضات، ربما يجري تشريد أكثر من مليوني عراقي آخر مع نهاية السنة. إن الأمم المتحدة يساورها قلق خاص إزاء الأوضاع الإنسانية في الفلوجة التي لا تزال تقبع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وهي بصورة فعلية تحت الحصار. وتقوم الحكومة بتوفير السلامة للأسر التي تتمكن من الوصول إلى نقاط التجمع.فقد تمت تعبئة المجتمع الإنساني لتقديم الدعم المنقذ للحياة لتلك الأسر وللأشخاص المحاصرين في الفلوجة.
إن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2016 تتطلب توفر مبلغ861 مليون دولار لتقديم المساعدة المنقذة للحياة إلى 7 ملايين عراقي.ومن المخيب للآمال أنه لا يتوفر حتى الآن سوى ربع ذلك المبلغ. وما لم يصل مبلغ 300 مليون دولار بحلول حزيران/يونيه، فإنه سيتم تقليص أو إغلاق العشرات من البرامج الأساسية المنقذة للحياة. ومن المستهدف للخطة الإنسانية ذات الأولوية لهذا العام أن تشمل الاحتياجات القائمة في البلد.ولا تشمل الاحتياجات الإضافية المدرجة في خطط الطوارئ من أجل تحرير الموصل. أما المبلغ اللازم لمساعدة الذين سيتأثرون بالعملية العسكرية في الموصل فسيتوقف مباشرة على نوع العملية. وإذا ما حدث تدمير على نطاق واسع وتشريد جماعي لفترة طويلة، ستكون تكلفة دعم السكان هائلة. نحن بحاجة أيضا إلى مضاعفة الموارد البشرية والتمويل لتلبية الاحتياجات الهائلة للنساء والفتيات المشردات، وتلك الاحتياجات تشمل التعليم والرعاية النفسية المتخصصة.
أود الآن أن أنتقل إلى التقرير العاشر للأمين العام(S/2016/372) عن مسألة المفقودين من الرعايا الكويتيين ومن رعايا البلدان الثالثة، والممتلكات الكويتية المفقودة، بما فيها المحفوظات الوطنية. لقد تسلمت رسميا وزارة الدفاع العراقية الاستعراض التقني لملف المفقودين الكويتيين، وقد استأنفت العمل بشأنه، وتضطلع بعدد من الأنشطة منذ المرحلة الانتقالية. تلك خطوة جديرة بالترحيب والتشجيع، وآمل أن تضيف زخما إلى الجهود التي تبذلها حكومة العراق. وللأسف، لا يزال الجمود مستمرا فيما يتعلق بالممتلكات الكويتية المفقودة. وفي زيارة المتابعة التي قام بها الأمين العام، رافقته في زيارته للكويت في نهاية شهر آذار/مارس، حيث شعرنا بالتشجع في كل خطوة ممكنة اتخذتها القيادة العراقية لتحقيق تقدم ملموس فيما يتعلق بقضايا الأشخاص المفقودين والممتلكات المفقودة. وبغية الإسهام في هذا الجهد بمزيد من النشاط، فإن بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق سوف تتواصل مع سائر أصحاب المصلحة من أجل التماس مساعدتهم في شتى الجوانب التي من شأنها أن تساعد على الدفع قدما بالعملية.
غير أني أود التشديد على أن المسؤولية الرئيسية عن كفالة إحراز تقدم تقع على عاتق حكومة العراق.بينما ندرك الحجم الهائل للتحديات التي تواجه العراق حاليا، لا بد للحكومة من الوفاء بالتزاماتها الدولية، ولا يمكن ترك تلك المسألة جانبا.