تقييم أميركي: اذا انهار سدّ الموصل ستنهار حكومة العبادي
تقييم أميركي: اذا انهار سدّ الموصل ستنهار حكومة العبادي
ميدل ايست أونلاين - واشنطن – كشفت مصادر أن الرئيس الاميركي باراك أوباما ارسل رسالة سرية الى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لم ينشر مضمونها من قبل ولا تتعلق بالانقسام الطائفي في العراق ولا بالحرب على تنظيم الدولة الاسلامية بل عن سدّ الموصل الذي سبق وأن حذرت واشنطن من انهياره.
وبحسب الرسالة، فإن أوباما تدخل شخصيا إلى درجة جعل تداعي سد الموصل يتصدر قائمة الاهتمامات الأميركية في العراق. والسبب هو أن انهياره من شأنه أن يقوض الجهود الأميركية لتثبيت حكومة العبادي وتعقيد الحرب ضد التنظيم المتطرف.
وفي الحادي والعشرين من يناير/كانون الثاني التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في دافوس بسويسرا وسلمه رسالة شخصية من الرئيس باراك أوباما طالبه فيها بتحرك عاجل.
ولم تكن الرسالة السرية من أوباما إلى العبادي التي أكدها مسؤولان أميركيان تتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية أو الانقسام الطائفي في العراق بل كانت تتعلق بكارثة محتملة بسبب الحالة المتردية لأكبر سد في البلاد والذي يمكن أن يؤدي انهياره إلى طوفان يقتل فيه عشرات الآلاف ويتسبب في نكبة بيئية.
ويشير تدخل الرئيس الأميركي شخصيا إلى مدى تصدر تداعي سد الموصل قائمة الاهتمامات الأميركية في العراق الأمر الذي يعكس المخاوف من أن يؤدي انهياره إلى تقويض الجهود الأميركية لتثبيت حكومة العبادي وتعقيد الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
كما يعكس هذا التدخل شعورا متناميا بالإحباط، فقد شعرت الحكومة الأميركية بأن بغداد لا تأخذ الخطر على محمل الجد بما يكفي وذلك بحسب ما وضح في مقابلات مع مسؤولين بوزارة الخارجية ووزارة الدفاع والوكالة الأميركية للتنمية الدولية وغيرها من الوكالات.
وقال مسؤول أميركي طلب مثل بقية المصادر عدم نشر اسمه "إنهم يتثاقلون في التحرك في هذا الأمر."
وامتنعت الحكومة العراقية عن التعليق رسميا على هذه التأكيدات أو على رسالة أوباما.
وتقول وثيقة حكومية أميركية نشرت في أواخر فبراير/شباط إن ما بين 500 ألفا و1.47 مليون عراقي يعيشون في المناطق الأكثر عرضة من غيرها للخطر على امتداد نهر دجلة "لن يبقوا على الأرجح على قيد الحياة" اذا انهار سد الموصل وما لم يتم إجلاؤهم إلى مناطق آمنة.
خطر جدّي
وستجرف المياه في طريقها لمئات الكيلومترات قذائف لم تنفجر ومواد كيماوية وكذلك الجثث والمباني.
وتقول الوثيقة إن الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية والبيئة واسعة الانتشار ستؤدي إلى تعطل نظام الحكم وسيادة القانون.
وامتنع المسؤولان الأميركيان عن الكشف عن محتوى رسالة أوباما على وجه الدقة.
ولم يتسن التأكد من تأثير الرسالة على الحكومة العراقية. غير أنه بعد 11 يوما من تسليمها أعفى الحزب السياسي لوزير الموارد المائية محسن الشمري الوزير من المسؤولية عن السد وذلك حسبما ورد في بيانات منشورة.
وكان الوزير قد هون علانية من الخطر الذي يمثله السد. وقال مصدر بالحكومة العراقية تم إطلاعه على الخطط الخاصة بسد الموصل إن علاقات الولايات المتحدة بالشمري الحليف لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المعادي للولايات المتحدة تدهورت بشدة لدرجة أن الوزير كان ينسحب من الاجتماعات التي يحضرها السفير الأميركي لدى العراق ستيوارت جونز.
وأكد مسؤول في السفارة الأميركية في بغداد أن الشمري كان يرفض حضور الاجتماعات مع جونز.
وأضاف المسؤول أنه تم إبلاغ المسؤولين الأميركيين في إحدى المرات بأن الشمري جلس في حجرة مجاورة واستمع إلى ما دار في الاجتماع عبر دائرة صوتية، غير أن المسؤول قال إن التعاون مع العبادي كان يسير بلا أي مشاكل.
ولم يعلق الشمري علانية على الاجتماعات. وكان قد أشار إلى أن التنبؤات المتعلقة بالسد ليست سوى عذر لإرسال المزيد من القوات الأجنبية إلى العراق.
وفي الثاني من مارس/آذار وقع العراق عقدا بقيمة 296 مليون دولار مع مجموعة تريفي الايطالية لتدعيم السد الواقع في شمال العراق والذي ظل بحاجة لهذا التدعيم منذ بنائه في أوائل الثمانينات على عروق من الجبس الذي يمكن أن يذوب في الماء.
وقالت ايطاليا إنها سترسل 450 جنديا للمساعدة في حماية السد.
وقال المسؤولون الأميركيون إن قرار أوباما إرسال رسالته للعبادي كان من دوافعه تقارير مقلقة من المخابرات الأميركية ودراسة جديدة أجراها سلاح المهندسين بالجيش الأميركي أظهرت أن السد غير مستقر بدرجة أكبر من الاعتقادات السابقة.
وقال بول سالم نائب رئيس معهد الشرق الأوسط وهو من المؤسسات البحثية في واشنطن إنه إذا انهار السد فإن ما سينجم عن ذلك من فوضى وأضرار قد يتسبب في انهيار حكومة العبادي حليف الولايات المتحدة ويمثل نقطة سوداء فيما سيذكره التاريخ عن أوباما.
وقال المسؤولون والمحللون الأميركيون والعراقيون إن مساعي إصلاح السد الواقع على بعد 48 كيلومترا إلى الشمال الغربي من مدينة الموصل تعطلت بسبب الفوضى التي سادت الوضع الأمني في العراق والانقسامات السياسية في بغداد بالإضافة إلى عدم تحقق الانذارات في السنوات السابقة وكذلك الانقسامات الثقافية.
وقال المسؤولون الأميركيون إن العبادي الذي تزيد أعباءه بسبب الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والخلافات السياسية والعجز في الميزانية نتيجة لهبوط أسعار النفط، يركز الآن على السد ويشرف على الجهود الرامية لإصلاحه.
وقال مسؤول كبير بالوكالة الأميركية للتنمية الدولية "وصلنا إلى نقطة لم يكن فيها شك أنهم (العراقيون) يولون الأمر اهتمامهم."
4 أشهر لإعداد الموقع
غير أن شركة تريفي تقول إن إعداد موقع العمل سيستغرق أربعة أشهر، بينما يواجه السد المستخدم في توليد الكهرباء ويبلغ طوله 3.5 كيلومتر أكبر خطر في ما بين ابريل/نيسان ويونيو/حزيران من جراء ارتفاع مناسيب المياه.
وقال المسؤولون إنه لا بد من استخدام شاحنات لنقل مواد حقن السد من تركيا لأن المصنع السابق يقع في الموصل وأصبح الآن تحت سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقول بعض المسؤولين العراقيين إن واشنطن تطلق إنذارات عالية فيما يتعلق بالسد لتبرئة نفسها من المسؤولية.
واضاف هؤلاء المسؤولون أنه كان بوسع الولايات المتحدة التي غزت العراق عام 2003 أن تسعى إلى حل له صفة الدوام بدرجة أكبر قبل سحب قواتها المقاتلة من البلاد عام 2011 لكنها واصلت ببساطة تشغيل السد بأقل تكلفة ممكنة ولا توجد أي بادرة على أن انهيار السد وشيك.
لكن السد بني على ما وصفه المسؤول الكبير بوكالة التنمية الدولية بأنه "المقابل الجيولوجي للجبن السويسري".
وأضاف أن جدارا من المياه ارتفاعه 14 مترا سيغرق مدينة الموصل في غضون أربع ساعات من انهيار السد وسيعادل بالتقريب موجة المد العاتية التي ضربت اليابان في ذروة كارثة عام 2011.
وتوقفت أعمال الصيانة بعد أن سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على السد لمدة أسبوعين في أغسطس آب عام 2014 مما أدى إلى تشتت العاملين وتدمير المعدات.
واستؤنف العمل في الشهور الأخيرة لكن المسؤولين قالوا إن الحيلولة دون انهيار السد تحتاج لخبرات دولية.
ورغم أن التقرير الكامل الذي أعده سلاح المهندسين بالجيش الأميركي لم ينشر فقد ظهرت على موقع البرلمان العراقي على الانترنت في فبراير/شباط بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني شرائح تلخص ما خلص إليه من نتائج.
وقالت إحدى الشرائح إن كل ما تم جمعه من معلومات في 2015 يشير إلى أن سد الموصل يواجه خطر الانهيار بدرجة أكبر كثيرا مما كان معتقدا من قبل وأن هذا الخطر أكبر اليوم مما كان عليه الأمر قبل عام.
وقال مسؤول عراقي كبير مشترطا عدم نشر اسمه إن التقييم الأميركي ساهم في قرار استكمال التعاقد مع مجموعة تريفي بعد محادثات استمرت شهورا.
ودرس ريتشارد كوفمان الأستاذ المساعد للهندسة المدنية بجامعة أركنسو صور الرادار التي التقطتها الأقمار الصناعية وتوصل إلى أن السد يهبط في التربة ثمانية ملليمترات كل عام.
وقال إن استئناف أعمال الحقن لا يمثل سوى حل مؤقت وإن الأمر يتطلب حلا طويل الأجل.