قرارات العبادي.. رضوخ للمظاهرات أم مناورة لتصفية حسابات؟
قرارات العبادي.. رضوخ للمظاهرات أم مناورة لتصفية حسابات؟
الخليج اونلاين ... استفاق العراقيون صباح الأحد، على وقع حزمة من القرارات أصدرها رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أعقبت مظاهرات حاشدة خرجت في بغداد تحثه على "فتح ملفات الفساد والفاسدين" وإحداث تغييرات جذرية في النظام السياسي للبلاد، وهي المظاهرات التي وجدت صداها دعماً من قبل المرجعية الدينية العليا الممثلة بشخص علي السيستاني.
وشملت قرارات رئيس الحكومة العراقية، "تقليصاً شاملاً وفورياً في أعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة، و"إلغاء المخصصات الاستثنائية لكل الرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين"، و"إبعاد جميع المناصب العليا؛ من هيئات مستقلة ووكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين عن المحاصصة الحزبية والطائفية".
القرارات تضمنت أيضاً "إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً"، كما اشتملت على "فتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد تتشكل من المختصين وتعمل بمبدأ "من أين لك هذا؟".
- المالكي
ويرى عراقيون كثر، أن هذين البندين الأخيرين، "خص نص" لنوري المالكي، أكثر الوجوه الحكومية فساداً وإفساداً، برأيهم.
وكان المالكي ترأس الحكومة العراقية دورتين كاملتين، واستمات للحصول على الثالثة محدثاً جلبة وتجميداً في البلاد بسبب إصراره على الحصول على الثلاثة، وهو ما رفضته مختلف الأطياف العراقية بما فيها فئات داخل حزبه الدعوة، حتى إنه اعتبر تكليف الرئيس فؤاد معصوم للعبادي بتشكيل الحكومة خرقاً للدستور، قبل أن يُجبر لاحقاً على القبول والتسليم بالأمر الواقع، بعد ترضيته بمنصب نائب رئيس الجمهورية، الذي خسره بقرار العبادي اليوم، وطمأنته بعدم الملاحقة القضائية التي يبدو أنها ستعود لتلاحقه بدءاً من الآن.
فالمالكي قد أبدى تخوفه، من ملاحقة قانونية قد تطاله، وفق ما صرح مصدر مقرب من مكتب نائب رئيس الجمهورية لـ"الخليج أونلاين" في وقت سابق أواخر العام الماضي.
ووفقاً للمصدر فإن "نوري المالكي، وخلال جلسة خاصة جمعته مع أحد النواب من كتلته النيابية، دولة القانون، أعرب له عن مخاوفه من أن يقوم حيدر العبادي، رئيس الوزراء الحالي، بالسماح بملاحقته"، وذكر المصدر "أن المالكي اشتكى من التضييق على حركته من قبل حكومة العبادي".
ويرى المالكي، في العبادي، نائبه السابق في حزب الدعوة، منافساً شرساً بعد أن حاز الأخير رضى شعبياً ومحلياً ودولياً على حسابه وأخذ منصبه رغماً عن إرادته، فيما يرى رئيس الحكومة الحالي في سلفه عثرة أمام أي محاولات إصلاحية يعتزم القيام بها.
وحمل العبادي، الذي ينتمي إلى حزب الدعوة الشيعي، وهو حزب سلفه، في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الأول للتعايش بين الشباب قبل أيام، المالكي مسؤولية تردي الأوضاع ووصولها إلى ما هي عليه، مشيراً إلى أن الحكومة السابقة أنفقت كل الاحتياطي، "من دون أن نلمس شيئاً يذكر على المستوى الخدمي"، وذلك في تعليقه على المظاهرات التي خرجت منددة بانعدام الخدمات والكهرباء، وهو ما يعطي انطباعاً إضافياً إلى حدة ما وصلت إليه العلاقة بين ابني حزب الدعوة.
- مظاهرات
العبادي دعا مجلس النواب إلى المصادقة على قرارته لتمكينه من "إجراء الإصلاحات التي دعت إليها المرجعية الدينية العليا وطالب بها المواطنون لمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية"، في دلالة على أن الرجل استثمر الحشود الجماهيرية التي عسكرت في الشوارع تهتف ضد الفساد وآلياته لصالحه.
وشهدت ساحة التحرير وسط بغداد؛ مظاهرة وصفت بالمليونية، مساء الجمعة، طالبت رئيس الحكومة بفتح جميع ملفات الفساد في الوزارات، وكشف المفسدين، عادين خروجهم بهذا الكم فرصة "ذهبية" للعبادي لكي "يضرب بيد من حديد".
التظاهرة التي قادها ودعا إليها مثقفون وناشطون مدنيون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تبنت شعارات ضد السياسيين والمسؤولين بالحكومة العراقية، تصفهم بالفاسدين، سرعان ما تبنتها "المرجعية العليا" بقيادة المرجع علي السيستاني، وركبت موجتها مليشيات الحشد الشعبي وحتى المناصرون للمالكي، في محاولة للقفز من السفينة الغارقة على ما يبدو.
ولم تكن هذه المظاهرة هي الحراك الوحيد، إذ شهدت العديد من المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية مظاهرات شبيهة تطالب بالإصلاح وعودة الخدمات والقضاء على المفسدين في الأجهزة الحكومية.
كما خرجت تظاهرات على مدى الأسابيع الأخيرة في معظم محافظات البلاد؛ احتجاجاً على سوء الخدمات، وخاصة تكرار انقطاع الكهرباء.
وكان العبادي حذّر في كلمة متلفزة، السبت الماضي، من أن موجة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها مختلف المحافظات، بسبب تراجع الخدمات، هي بمثابة "جرس إنذار" للدولة، ووجه المسؤولين في حكومته إلى العمل بسرعة لتوفير متطلبات المواطنين.
- ما قبل الحزمة
ولم يُقدم العبادي على خطوته "الجريئة" تلك، إلا بعد أن مهّدت له مظاهرات شعبية عارمة، هي الأولى من نوعها بهذا الزخم ربما، حيث شهدت بغداد "مليونية" يوم الجمعة، أبدى فيها المتظاهرون دعمهم لإصلاحات رئيس الوزراء ومطالبتهم إياه بالأخذ على يد المفسدين.
المرجعية الدينية العليا، أكدت بدورها دعمها للمظاهرات ومطالبها، فيما كشفت الترحيبات السريعة التي انهالت فور صدور القرارات صباح اليوم الأحد، أن العبادي ربما رتّب مع مختلف التيارات والأطياف العراقية بالأخص الشيعية منها، وتأكد من رضاها بقراراته قبيل الخروج بها للعلن.
ومساء الجمعة، عقد العبادي "اجتماعاً مع عدد من الخبراء والمستشارين لمناقشة محاور الإصلاح الإداري والمالي، وتحسين الخدمات ومعالجة الترهل الوظيفي، إضافة إلى تخصيص جزء موسع حول السبل الكفيلة للتصدي للفساد والمفسدين"، وفق بيان لمكتبه، وهو الاجتماع الذي ربما اختمرت فيه الصيغة الأخيرة لهذه القرارات.
- ترحيب
وصوّت مجلس الوزراء العراقي اليوم الأحد، في جلسته الاستثنائية، بالإجماع على قبول "حزمة الإصلاح الأولى" التي أصدرها العبادي، والتعبير للمكتب الإعلامي التابع للمجلس، وهو ما يعني أن حزمة ثانية على الأقل من "الإصلاحات" في طريقها إلى الصدور، ربما بعد التأكد من تطبيق الحزمة الأولى ونجاحها والتزام المعنيين بها.
وفي بيان له، رحب نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، بالقرارات التي أصدرها خلفه حيدر العبادي، بالرغم من أن أحدها أطاح بمنصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وقال: "أجدد موقفي الداعم للإصلاحات التي تقتضيها العملية السياسية والتي وجهت بها المرجعية الدينية العليا السيد رئيس مجلس الوزراء"، وحذا زميله أسامة النجيفي، نائب الرئيس حذوه بالترحيب بقرارات العبادي، مؤكداً أن المعيار المهم والأساسي في هذه المرحلة الحاسمة، هو الولاء للشعب، وتحقيق الإصلاحات ومحاربة الفساد"، على حد قوله.
كما رحب محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي يرحب بقرارات العبادي "الجريئة"، داعياً إلى إحالة نوري المالكي إلى القضاء.
بدوره، رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، أكد أن المجلس مستعد لدعم جميع الإجراءات الإصلاحية التي تتخذها الحكومة وفق الأطر الدستورية، معلناً في الوقت ذاته دعمه لخطوات رئيس الحكومة.
- كبش فداء
قرارات العبادي وجدت طريقها سريعاً إلى القضاء، وكان البدء بنائبه بهاء الأعرجي، والذي تلاحقه تهم فساد مالي، إذ بدأت السلطات القضائية العراقية، صباح الأحد، التحقيق مع الأعرجي، بحسب ما أعلن المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية العراقية، عبد الستار البيرقدار، في بيان مقتضب نشر على الإنترنت، مؤكداً أنه تم الإيعاز إلى محاكم النزاهة للتحقيق بتهم الفساد المالي، المنسوبة إلى "بهاء الأعرجي"، نائب رئيس مجلس الوزراء، عن كتلة الأحرار، التي تمثل التيار الصدري.
ويتهم أعضاء في البرلمان العراقي، نائبَ رئيس الوزراء بهاء الأعرجي (شيعي) بـ"الاستحواذ على عقارات في العاصمة بغداد وتحويل مبالغ مالية كبيرة للاستثمار في الخارج، وشراء عقارات في دول أوروبية".
ورحبت الهيئة السياسية للتيار الصدري بقرارات رئيس الوزراء "الإصلاحية"، ووجهت الوزراء والنواب التابعين لكتلتها، بدعمها والموافقة عليها على أن تكون إصلاحات فعلية"، وفق بيان نشر على الموقع الرسمي للتيار الصدري.
وهدد الأعرجي أنه سيقاضي "وسائل الإعلام المعادية" التي تبنت الادعاءات المسيئة له "بسبب مواقفه وتصديه للمسؤولية الحكومية"، وفق بيان له اطلع عليه مراسل "الخليج أونلاين"، مفيداً أنه سيعقد مؤتمراً صحفياً بعد ظهر اليوم الأحد لتوضيح موقفه.
وربما أراد العبادي البدء بنائبه، كتوطئة لتقديم من هم أقوى منه وعلى رأسهم نائب الرئيس نوري المالكي، والذي يرى مراقبون للمشهد العراقي أن مدار جديّة رئيس الحكومة في المضي بالإصلاح يظهر لدى تقديم المالكي وأمثاله من رموز الفساد الذين جاء بهم الاحتلال الأمريكي للبلاد إلى المحاكمة.
وأبدى نشطاء ومغردون على شبكات التواصل الاجتماعي، من جانبهم، دعمهم لخطوات رئيس الحكومة، وفق ما أفادت منشورات لهم على تويتر وفيسبوك، فيما دعا نشطاء إلى التظاهر يوم الجمعة المقبل من أجل "تفويض" بالإصلاحات.
والعراق من بين أكثر دول العالم فساداً؛ بموجب الإحصائيات السنوية الأخيرة التي أصدرتها منظمة الشفافية الدولية.
ويعاني العراق من أزمة مالية بعد تراجع أسعار بيع النفط في الأسواق العالمية، وزيادة النفقات، وخصوصاً العسكرية منها، فيما توقفت المئات من المشاريع الخدمية في جميع المحافظات، وأعلنت الحكومة عجزها عن سداد نحو 7 مليارات دولار قيمة الديون المستحقة لمقاولي الشركات.
وازدادت معاناة العراقيين بسبب موجة الحر التي تشهدها البلاد، وتجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية في المناطق الجنوبية، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة خلال اليوم.
لا يوجد وسوم لهذا الموضوع.