عراقيون يطمحون للهجرة “مهما كلّف الأمر”
عراقيون يطمحون للهجرة “مهما كلّف الأمر”
اسطنبول ــ العربي الجديد .. يطمحُ أغلب الشباب العراقيين إلى الهجرة بأي وسيلة ممكنة. هم على يقين أنه لا مستقبل لهم في بلادهم. أكثر من ذلك، يصفون بقاءهم فيها بـ "الموت". وهناكَ دائماً فسحة أمل. إذ يستقبلُ مكتب الأمم المتحدة في تركيا طلبات اللجوء من المضطهدين في العالم، حتى صارت أنقرة مقصد الشباب العراقيين، الذين عزموا على الهرب من بلادهم.
طابورٌ طويل من الشباب الذين يصطفون أمام مقر مكتب الأمم المتحدة في أنقرة، إلى جانب آخرين من جنسيات أفريقية وآسيوية. جميعهم يعانون من الاضطهاد والعنف الطائفي بالإضافة إلى "الإرهاب". يقول البعض إنهم واجهوا تهديدات طائفية في مدنهم من قبل مليشيات مسلحة، فيما يشير آخرون إلى أنهم هربوا من قسوة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". أيضاً، دفع العنف الطائفي الذي تمارسه المليشيات في مدن عراقية أخرى عدداً من المواطنين إلى الهرب إلى تركيا.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قد سيطر على محافظة الموصل (شمال العراق) في يونيو/حزيران الماضي، ليعلنها عاصمة دولة الخلافة، قبل أن يتمدد إلى مدن أخرى منها صلاح الدين والأنبار.
يُعرف أحمد العزاوي وهو أحد طالبي اللجوء بـ "الموسوعة". يملك معلومات وافية عن جميع الإجراءات والمشاكل وتعقيدات اللجوء. صار مطلعاً على كثير من قضايا العراقيين طالبي اللجوء. حتى إنهم صاروا يلجؤون إليه لاستشارته. ويؤكد أن سبب إقبال الشباب العراقيين على الهجرة هو "العنف الطائفي وليس الإرهاب".
يقول العزاوي لـ "العربي الجديد" إن "مشكلة طالبي اللجوء العراقيين تكاد تكون واحدة. فقد أصبحت مدنهم تحت سيطرة داعش أو المليشيات الطائفية". ويشير إلى أن النسبة الكبرى من المتقدمين لطلبات اللجوء هم من بغداد، لافتاً إلى أن المليشيات تفرض سيطرتها على جميع المدن الأخرى، باستثناء تلك التي يسيطر عليها "داعش" كالموصل والأنبار ومدن في صلاح الدين. يضيف: "كونهم يعلمون أن حياتهم مهددة من قبل المليشيات في مدن أخرى، يلجأ الهاربون من المدن التي يسيطر عليها داعش إلى تركيا".
تجدر الإشارة إلى أن القادمين حديثاً إلى تركيا، يبدون أكثر تفاؤلاً بالمقارنة مع آخرين مضى على وجودهم هناك أكثر من عامين. ربما وجد هؤلاء أن أموراً كثيرة لم تتحقق.
وصل مهند العباسي إلى تركيا قبل نحو أسبوع. يقول لـ "العربي الجديد"، وقد بدا متفائلاً: "وضعت قدمي على أولى درجات سلم النجاة". من جهته، يوضح مصطفى الجبوري، الذي مضى على تقديمه طلب اللجوء أكثر من عامين، إن خروجه وباقي الشباب من العراق "كان بمثابة النجاة من الغرق والتعلق بلوح خشبي وسط البحر على أمل إيجاد منقذ".
أما عن سبب تشاؤمه، فيوضح الجبوري أن الأمر مرتبط بإرجاء تحقيق الطموح. يضيف أن أحد الشروط التي تُفرض على طالب اللجوء هو البقاء في تركيا، وعدم مغادرتها حتى يمنح طالب اللجوء تذكرة سفر إلى البلد المقصود، وقد يطول مكوثه في تركيا لأكثر من خمس سنوات.
مع ذلك، فإن البقاء فترة طويلة في تركيا ليست مشكلة بالنسبة للجبوري، وخصوصاً أن البلد آمن. يؤكد وغيره من اللاجئين أنه ليس هناك "شر" يطاردهم كما في العراق، وإن كان هناك معاناة من نوع آخر تتجلى في تأمين المعيشة التي تحولت إلى همّ يؤرقهم، وخصوصاً أن أحد شروط الموافقة على طلبهم للجوء هو عدم مزاولتهم أي عمل أثناء وجودهم في تركيا.
وكان مكتب الأمم المتحدة قد حذر خالد نجم ومجموعة من أصدقائه، بعد كشفهم يزاولون مهناً داخل تركيا، بغلق ملفاتهم في حال تكرار هذه المخالفة، التي تعد "مؤشراً سلبياً يُحسب على طالب اللجوء، وقد يؤدي إلى تأخير بت طلبه".
وتمكن عبد الرحمن الزوبعي من الإثبات للجنة المحققة في قضيته، أنه لطالما عانى من الاضطهاد. وبعد مرور نحو ثلاثة أعوام على مجيئه إلى تركيا، واقتراب موعد سفره إلى أميركا، البلد الجديد الذي سيلجأ إليه، تجدر الإشارة إلى أن بعض الشباب العراقيين يعتمدون على المال الذي ترسله عائلاتهم من بلدان الاغتراب، بهدف تأمين متطلباتهم الحياتية، إلى حين حصولهم على الإذن بالسفر إلى بلد اللجوء.
يضيف الزوبعي لـ "العربي الجديد" أن "هناك كثيراً من الأسر داخل العراق، لا تملك ما يكفيها لتدبير معيشتها، وخصوصاً في ظل ارتفاع كلفة أجور السكن وغلاء المعيشة، ما يضطر الشباب إلى مزاولة بعض الأعمال خفية". ويشير إلى "أننا حين نتصل بأهلنا في العراق، يصرون علينا بعدم التفكير بالرجوع، ومحاولة البقاء خارج الوطن مهما كلف الأمر، ويخبروننا دائماً بحدوث حالات قتل واختطاف لأسباب طائفية. لذلك، تستغني بعض الأسر عن مشترياتها الأساسية بهدف إرسال النقود لأبنائها، وخصوصاً أن أهلنا في العراق باتوا يشعرون أنهم يعيشون داخل دوامة ستبتلعهم في أي لحظة، وهمهم الوحيد هو نجاة أحد أبنائهم مهما كلّف الأمر".