”تحرير الأنبار”.. الصوت في بغداد والصدى في واشنطن
”تحرير الأنبار”.. الصوت في بغداد والصدى في واشنطن
ربما لم تهتم واشنطن بمدينة وقعت في قبضة تنظيم الدولة كما اهتمت بمدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار غرب العراق، فمنذ أن سيطر التنظيم على المدينة قبل نحو شهرين، والتصريحات القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية تشير بوضوح إلى أن الأنبار قد أخذت مساحة أكبر من وقت وتفكير وتخطيط إدارة الرئيس باراك أوباما، ربما بسبب قربها من العاصمة العراقية بغداد، أو ربما، كما يشير بعض المحللين، لإدراك واشنطن بأن الأنبار، مفتاح الحل، كما هي مفتاح الانهيار في عراق ما بعد 2003.
يقول العميد السابق في الجيش العراقي، طعمة عبد العسافي، إن الأنبار لها مكانة كبيرة لا شك؛ سواء للحكومة العراقية، أو لطهران التي تدعمها، أو لواشنطن التي ما زالت تنظر للعراق على أنه خطيئتها منذ قرار غزوه قبل 12 عاماً.
ويشرح العسافي لـ"الخليج أونلاين" أسباب هذا الاهتمام قائلاً: "الأنبار تختلف عن الموصل التي سقطت بقبضة التنظيم قبل عام أو أكثر، فهي محافظة تبلغ مساحتها قرابة ثلث مساحة العراق، وهي مدينة عشائرية بامتياز، وذات لون طائفي واحد، بل قل- إن شئت الدقة- ذات لون قبلي غالب أيضاً، كما أن الأنبار تحد كلاً من سوريا والأردن والسعودية، وما يشكله ذلك من تحولها إلى عمق للدول الثلاث، يضاف إلى هذا وذاك قرب المحافظة من بغداد وكربلاء، فالفلوجة على سبيل المثال التي سيطر عليها التنظيم قبل الموصل، لا تبعد سوى 50 كيلومتراً عن بغداد".
ويضيف: "عرفت واشنطن الأنبار جيداً خلال احتلالها للعراق، فالمدينة كانت شرارة المقاومة العراقية، وتحولت ذات يوم إلى معقل لتنظيم القاعدة، الأب الشرعي لتنظيم الدولة، وذات يوم صرح الجنرال الأمريكي ريكاردو سانشير، في العام 2005 على ما أذكر، أن قواته ربما فقدت الأنبار إلى الأبد، مشيراً بذلك إلى سيطرة القاعدة، قبل أن يأتي الجنرال ديفيد بترايوس في العام 2006 حاملاً معه مقترحات عراقية تقدم بها بعض زعامات الأنبار لتشكيل ما عرف لاحقاً بالصحوات، التي نجحت في طرد القاعدة من المحافظة".
الاهتمام الأمريكي بالأنبار، كما يراه الباحث السياسي واثق عباس، نابع أيضاً من إيمانها العميق بأن هذه المدينة "قادرة أن تقلب الطاولة على رؤوس اللاعبين الكبار، وهنا لا أشير فقط إلى تنظيم الدولة وإنما أيضاً إلى حكومة بغداد ومن خلفها إيران. هذا الإدراك الأمريكي لأهمية الأنبار جعلها تحجم عن المشاركة بعملية تحرير المدينة التي انطلقت قبل أسبوعين".
ويتابع في حديث لـ"الخليج أونلاين": "عملية تحرير الأنبار التي أطلقتها حكومة حيدر العبادي لا يبدو أنها ستكون قادرة على تحقيق هدفها، الأمريكان غير راضين عن العملية، ومن ثم فحتى ما يمكن أن نسميه بالدعم الجوي لها ما يزال محدوداً، والسبب أن أمريكا لا تريد أن تخوض القوات العراقية ومعها مليشيات شيعية لها سوابق إجرامية ومدعومة من إيران، عملية تحرير المدينة السنية، وما يمكن أن يشكله ذلك من شبه انهيار لمنظومة التوافق التي قامت عليها فكرة العملية السياسية في العراق منذ احتلاله عام 2003".
الإعلام الأمريكي سلط الضوء بصورة شبه يومية على معارك الأنبار، ونقلت أغلب الصحف الأمريكية تطورات المعارك الجارية هناك، مع آراء لعسكريين أمريكيين عبّروا عن عدم تفاؤلهم بتمكن القوات العراقية من تحقيق النصر، خاصة أن تلك القوات في أغلبها لم تتلق سوى تدريب محدود قبل الزج بها في ساحة المعركة.
مصادر عراقية أمنية تحدثت لـ"الخليج أونلاين" عن افتتاح أكبر معسكر أمريكي في صحراء الأنبار لتدريب متطوعين من أهالي محافظة الأنبار قبل أن يتم زجهم في معركة تحرير المدينة.
ووفقاً لتلك المصادر فإن هناك 10 آلاف عنصر من أهالي الأنبار حصراً يتم تدريبهم من قبل مدربين أمريكيين، في قاعدة التقدم، وجهوزية هؤلاء ربما تكون مطلع الخريف المقبل، حيث من المتوقع الزج بهم في معركة تحرير الأنبار بدعم وإسناد وغطاء جوي أمريكي.
وتابعت تلك المصادر: "واشنطن أبلغت بغداد بالخطة، كما أبلغتها بضرورة سحب المليشيات الشيعية من المعركة حال جهوزية القوات الجديدة، وهو أمر ربما يفسر استماتة الحكومة العراقية بحسم معركة الأنبار قبل جهوزية تلك القوات، لأن بغداد تريد أن يحسب نصر الأنبار لها وللمليشيات المدعومة إيرانياً، وما يمثله ذلك من سيطرة أكبر لبغداد على الأطراف الغربية من العراق وخاصة الأنبار".
معارك الأنبار الجارية منذ قرابة أسبوعين، والتي أعلنتها حكومة بغداد، متوعدة بأن يؤدي مقاتلوها صلاة عيد الفطر (الماضي) في الفلوجة، فشلت، بحسب مراقبين، والتقديرات حول خسائر القوات الحكومية والحشد الشعبي كبيرة جداً، ورغم ذلك فإن حكومة بغداد تصر على المواصلة، في وقت تسير الخطوات الأمريكية لتحرير المدينة، وفقاً لاستراتيجية واشنطن، بتأنٍّ ودون ضجيج.
بغداد - الخليج أونلاين (خاص(